ولقد كانت القرون الإسلامية الأولى التي نفذت تعاليم الإسلام تنفيذا صحيحا أشد أهل الدنيا محاسبة للنفس وأبعدهم عن الخدر والأفيون، ولم يستطع حتى الأعداء الألداء أن يرموهم بمثل هذا ولكن كما قالوا قديما:"رمتني بدائها وانسلت"ومع ذلك فإنّ إيديولوجيتهم الخبيثة قد استطاعت أن تلبس الأمر على كثير من الناس، فالواقع الذي لا مراء فيه أن كثيرا من المسلمين في عصور الانحطاط ينطبق عليهم وصف المخمورين على أوسع مدى، ولكنهم لم ينحدروا إلى هذا الدرك المزري إلا بعد أن خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم، وتاهوا في الضلالة والغي والشركيات الفاضحة, أما السلف الصالح فكانوا مثلا يحتذى في كل خير وبر ويقظة في الدين والدنيا والحرب والسلم جميعا, ولكن التلبيس والدسائس هو شغل الاشتراكية الشاغل كما كان شغل زعيمها اللعين إبليس عليه لعنة.
وإذا كان لا بد من سوق بعض الأمثلة على الخدر الجماعي الذي يصيب الناس في مختلف العصور فإليكم ما يأتي:
إن قلب نجد الذي أنجب من الفصحاء أمثال الأعشى ولبيد العامري الذي قال أصدق كلمة بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لما يروى عنه صلى الله عليه وسلم قوله:"أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد وهي: (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) "
فهل يعقل أن بلادا تنجب هؤلاء ومعهم زهير وامرؤ القيس وغيرهم تنجب من يستمع إلى هراء مسيلمة فضلا عن أن يؤمنوا إيمانا عميقا بمثل قوله:"يا ضفدعة بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، نصفك في الماء، ونصفك في الطين"ومن مثل قوله: "والحارثات حرثا، والحاصدات حصدا، والطاحنات طحنا، والثاردات ثردا واللاقمات لقما.."الخ, إنما استمعوا إلى هذا الهراء في فترة سكرة من الروح أعمت أبصارهم وأصمت أذانهم وذهبت بعقولهم وألبابهم فلم يصحوا ولا أفاقوا إلا على سيف خالد بن الوليد وزيد بن الخطاب وعبد الله بن عبد الله بن أبي وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.