والتحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى- فورثته الأمة- وعلى المسلم يقع عبء هداية الإنسانية، وتبصيرها بالطريق الصحيح، وعليه عبء الأخذ بيد العميان إلى الهدى والسبيل القويم، وقام المسلمون بهذا التكليف خير قيام فانتشر الإسلام بسرعة عجيبة في أقطار الأرض، سرعة عجز كثير من المؤرخين عن تفسيرها لعدم إدراكهم روح الإسلام وحركته.
لقد انتشر الإسلام بالقرآن الكريم وعمارة الصدور به، كان المسلم يحمله ويتمثله قولاً وعملاً وسلوكاً وقانوناً، فيتحرك بالقرآن، وفي أقل من قرن من الزمان امتدت دولة الإيمان والإسلام من حدود الصين شرقا [١٣] إلى المحيط الأطلسي غربا [١٤] ، ومن جبال البرانس شمالا [١٥] إلى الصحراء الكبرى والمحيط الهندي جنوباً، شاملة العالم القديم بأسره [١٦] . نقل خلالها المسلمون عقيدة الإسلام وروحه ومفاهيمه إلى الناس فارتفعوا به وتساموا ... ولم تكن هذه الفتوحات للغلبة أو السيطرة أو الاستعمار بمفهومه الحديث، بل كانت حركة لنشر عقيدة الإسلام الخالصة، وإزالة الحواجز من طريق هذه الدعوة، فلم يكن الهدف إزالة ملك أو دولة، ولذا فإن من قبل الإسلام وطبقه من أهل هذه البلاد وخضع للإسلام ترك وشأنه وأقرّ على حكم بلاده، وكانت هذه الفتوحات طريقا لتحرر الفكر من القيود التي فرضتها أوضاع الجاهليات التي سادت والاضطهادات الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية- فكان المسلمون كما قال ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس في القادسية عام ١٤ هـ:"إن الله ابتعتنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"[١٧] . وسرعان ما وجدنا من يشارك من تلك الأمم في حركة المد الإسلامي شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً- فضمت كتائب الإسلام العرب والبربر والعجم ... فكيف نفسر تخلي أصحاب العقائد العريقة عن عقائدهم واندماجهم