في المجتمع الإسلامي، بل وتخليهم عن لغاتهم العريقة ثم حملهم للإسلام وقبولهم له عقيدة وشريعة ومنهج حياة وتكلمهم بلغته- لغة القرآن؟ وكيف يفسر انتشار الإسلام الهادي بعد ذلك في إندونيسيا والملايو والفلبين والصين وأواسط إفريقيا وشرقها وجنوبها- وركوب المسلمين البحر وابتكاراتهم واختراعاتهم وإنجازاتهم العلمية؟ كيف نفسر كل ذلك إذا كان المسلمون في خصومة مع الناس؟.
نعم أصاب المسلمين انحراف تدريجي عن منهج نشر الهدى في كل الأرض ولكنهم ظلوا قبساً منيراً يُعلمون الناس ويهدونهم إلى سواء السبيل إلى أن وصلوا درجة انحسروا في داخل أنفسهم وركنوا عن الحركة والانطلاق ... وعندئذ انقضت عليهم الجاهلية تغمرهم بظلالها البالغ في الطغيان حتى خرج كثير منهم من دين الله واتبعوا خطوات الشيطان. مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . سورة الرعد: ١١.
لم تظهر خصومة المسلم مع الناس إلا عندما اهتزت عقيدته، وانحط فكره، وضعف تصوره للإسلام ورسالته، وهذا ليس لأنه مسلم بل هو انحراف عن نهج الإسلام، ومن الظلم أن نطلق ذلك على المسلم الحق أو على أحد الفقهاء الأجلاء الذين فهموا الإسلام من منابعه الأصلية ومن خلال تطبيقاته على أرض الواقع في بلاد الإسلام، وآراء الفقهاء الأجلاء وتمحيصاتهم هي أجل وأعظم ما أنجزته الحضارة الإسلاَمية في ميادينها- وهى شاهدة على حيوية الأمة الإسلامية وعلى قدرتها على العطاء وعلى قيادة العالم إلى الخير، وشاهدة على ما في الإسلام نفسه من حركة وحيوية قادرة على أن تحرك هذه الأمة في كل وقت وحين، حركته حركة نابعة من القرآن والسنة الشريفة. قال صلى الله عليه وسلم:"تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا الحوض"[١٨] .