٣- العمل على توسيع الحالة المعيشية والصحة البدنية، وهذه الأمور الثلاثة تقتضي تشجيع الحركة التجارية إيرادا وتصديرا، بأيسر السبل وأكثرها نفعا والحركة الصناعية والعلوم الطبية العامة والخاصة، لتستغني الرعية عن أعدائها، الذين يتحكمون فيهم بسبب حاجتهم إلى ما عندهم، وبالجملة فكل ما يجلب للرعية نفعا أو يدفع عنها ضررا في الدنيا والآخرة فهو من حقوقها على الإمام ما دام يستطيع ذلك فإذا قصر في شيء يقدر عليه فهو غاش لرعيته مستحق للوعيد المتقدم الذكر، ولا يتم أداء حق الراعي من قبل الرعية وحق الرعية من قبل الراعي إلا بالتعاون التام بينهم، كل يقوم بواجبه عملا بقوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} .
مصدر تحديد المصلحة والمضرة:
والمصلحة التي يجب على الإمام أن يهييء وسائل تحصيلها يجب أن يكون تحديدها من قبل الشريعة الإسلامية، كما أن المضرة التي يجب أن يهييء وسائل منعها يجب أن يكون تحديدها من قبل الشريعة كذلك، فما اعتبرته الشريعة مصلحة فهو مصلحة، وما اعتبرته مضرة فهو مضرة, وليس تحديد المصلحة أو المضرة من حق الإمام أو الرعية بدون الرجوع إلى الشريعة لأنهما لو جعلتا من حق الإمام أو الرعية مطلقا لحصل في تحديدهما اختلاف عظيم لاختلاف ميول الناس وشهواتهم اختلافا متباينا إذ ما يراه بعضهم مصلحة قد يراه الآخر مضرة, وبناء على ذلك فيسختلف الوزراء في ما بينهم ومع الإمام، وستختلف الرعية في ما بينها ومع المسئولين من موظفي الدولة، فسيزعم بعضهم أن المصلحة أو المضرة تقتضي إباحة شيء ويزعم الآخر أنهما يقتضيان تحريمه، وستضطرب بذلك الأمور ويختل النظام وتنتهك حرمات الله بسبب إسناد تحديد المصلحة والمضرة إلى غيره تعالى.