وفي الآيات (٣٦- ٥١) من سورة الشعراء تمام ما حدث بين فرعون وموسى عليه السلام أمّا استفهام موسى: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} فهو على تقدير جملة محذوفة بعد الهمزة دلّ عليها الكلام السابق، والتقدير: أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشيء مبين، وهذه الجملة المقدّرة مع متعلقها الحال هي موضع الاستفهام، وهو استفهام حقيقي ساقه موسى إلى فرعون بعد أن استشاط فرعون من غضب وامتلأ من غيظ، وبهذا الاستفهام استطاع موسى أن يخفف من غلواء فرعون وأن يستدرجه إلى الاستماع إليه، فسكت عن فرعون غيظه وغضبه ووعيده، وهدأ ولان وسكن، وأجاب موسى: فأت به إن كنت من الصادقين.
أمّا إعراب هذه الصيغة الاستفهامية:{أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} فقد مضى إعراب مثلها في الآية الأولى، ولكنني أقول- زيادة في الإيضاح-: همزة الاستفهام داخلة على محذوف دلّ علية الكلام السابق والتقدير: أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشيء مبين، والواو الداخلة على (لو) حالية، و (لو) شرطية جوابها محذوف دلّ عليه وأغنى عنه الجملة المقدّرة بعد الهمزة، والواو وما دخلت عليه في محل نصب على الحال، وصاحب الحال ياء المتكلم في جملة (أتجعلني من المسجونين) المقدّرة بعد الهمزة، والعامل في الحال وصاحبها الفعل المضارع (تجعل) .
الآية الخامسة قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} . الآية (٢١) من سورة لقمان.
تتضمن هذه الآية الكريمة أن أولئك الذين يجادلون في الله عن جهالة وضلال كانوا إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله على رسوله وصدقوا به، فهو الذي يهدي إلى الحق ويبعد عن الباطل- أبوا هذا الإتباع، وقالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة أصنام وحلال وحرام.