نحن جعلنا تلك النار تذكرة وتبصرة لمن يذّكّر ويعتبر ويفكر فيدرك أن القادر على أن يجعل النار تخرج من الشجر الأخضر المضادّ لها قادر على أن يجعل الأموات أحياء يوم القيامة.
ونحن جعلناها أيضا نافعة ومتاعا لأولئك الذين هم في أشد الحاجة إليها، أولئك الذين يعيشون في القفار بعيدين عن حياة الحضر والاستقرار.
وبعد أن ذكر الله جلّ جلاله الأمور الأربعة السابقة وهي:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} ، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} ، {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} ، {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} . هذه الأمور المتضمنة أمر خلقهم والنعم التي بها قوام حياتهم، هذه الأمور الدالة على قدرته تعالى على الإبداع والإنشاء والخلق، وعلى قدرته تعالى على بعث الأموات أحياء يوم القيامة، بعد ذلكَ أمر رسوله صلى الله عليه وسلم (وكل من كان له أسوة حسنة برسوله مأمور كذلك) أمره بالاستمرار والمداومة على تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، وعما يزعمه الكافرون من الأنداد والشركاء والعجز عن البعث، فقال تعالى:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} .
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه النار التي يورونها، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية:{أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} .
وقد أفاد استفهام {أَرَأَيْتُمْ} التقرير والتوبيخ:
التقرير بمعنى طلب الاعتراف بالإجابة عن السؤال الذي تضمنته {أَرَأَيْتُمْ} مع معمولها وهو: أخبروني عن النار التي تَخرج من الشجر الأخضر، أأنتم أنشأتم شجرتها وخلقتم النار فيها أم نحن الخالقون المنشئون؟
ولما كانت إجابتهم عن هذا السؤال معلومة لا يشك فيها، وهي الاعتراف بأن الخالق المنشئ هو الله- استغنى عن ذكرها.