ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم:"إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه ويسب أمه"[٣٩] . وما ذكر في الحديث فرد من أفراد العقوق، وإن كان التسبب في لعن الوالدين من الكبائر فالتصريح بلعنهما أشد. وقد فرقت السنة بين حق الأب والأم قال أبو هريرة رضي الله عنه:"جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من: قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك"[٤٠] . نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال قوله: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر. قال:"وكأن ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}[٤١] فسوى بينهما في الوصاية وخصَ الأم بالأمور الثلاثة".
قال القرطبي:"المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر، وتقدم في ذلك على حق الحب عند المزاحمة"[٤٢] .
وقال عياض:"وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب، وقيل: يكون برهما سواء. ونقله بعضهم عن مالك. والصواب الأول"[٤٣]