وليس المقام مقام التفصيل في كل من الأنواع المتقدمة وشروط العمل بها ومدى حجتها فمكانه في مظانه أن علمي الحديث والأصول ولكنه الإجمال وبيان العناية التي أولتها هذه الأمة الإسلامية هذه السنة المطهرة حيث حفظوها وكتبوها ورواها كل عن الآخر حتى جاء بعضها متواتراً باللفظ والمعنى أو بالمعنى فقط متصلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من خصائص ومزايا وكمال هذه الشريعة وحدها فنقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال خصَّ الله به المسلمين دون سائر الملل [٧] .
ثالثها: وأما الإجماع لغةً فهو الاتفاق والعزم وفي اصطلاح الأصوليين: اتفاق مجتهدي العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بعد وفاته على أمر من أمور الدين.
فقد انقطع التشريع والوحي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم واتسعت رقعة الدولة الإسلامية وجدت حوادث ونوازل لم تكن من قبل أملتها الظروف التي نحياها والاتصالات بالأمم الأخرى وما هم عليه من عادات وتقاليد فاقتضى ذلك أن يجتهد الصحابة فمن بعدهم في تلك الوقائع فإن اتفقوا على أمر منها عدَّ ذلك إجماعاً وإن اختلفوا فذلك هو غالب الأحكام ولكل مجتهد نصيب [٨] .
رابعها: وأما استصحاب الحال ودليل العقل فمعناه إبقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل الذي يغيره.
فإذا ثبت حكم معين في الزمن الماضي فإنه يظل ثابتاً حتى يقوم دليل عليه بنفيه وإذا انتفى هذا الحكم بقي منفياً حتى يقوم دليل على ثبوته.
واستصحاب الحال أربعة أنواع:
١- النفي الأصلي أو براءة ذمة.
٢- استصحاب الدليل مالم يرد مغير.
٣- استصحاب الحكم مالم يرد مغير.
٤- استصحاب حال الإجماع إلى مسألة موضع خلاف.
فمثال الأول: وهو براءة الذمة أو النفي الأصلي أن الإنسان مباح له أن يفعل كل شيء حتى يأتي الرسل ويحصل التبليغ، والعقل دليل للنفي، والأحكام الشرعية تدرك بالسمع.