للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالثة: قوله عن زوجته سارة وقد سأله الجبار عنها " هذه أختي "ظاهره أخوة النسب، وهي التي فهمها الجبار ولم يفهم غيرها، وباطنه أخوة الدين وهي التي أرادها الخليل عليه السلام، والباعث لإبراهيم عليه السلام على هذا التعريض مع أن ذلك الجبار يريد اغتصابها أختا كانت أو زوجة أنه كان من عادة الجبار أن يقتل زوج من يغتصبها لغيرته منه، ولا يقتل أخاها لضعف غيرته منه، فلذلك قالت إبراهيم "أختي "لينجو من القتل وفي نجاته إعلاء لكلمة الله وتبليغ رسالته للناس.

ولا يرتاب أحد في أن الكذب المحض في مثل هذه المواقف الثلاثة جائز بل واجب، ولكنه لم يلجأ إليه ليعلو مقامه، وقوة فطنته وذكائه، وإنما لجأ إلى المعاريض، وهي أنه لطيفة من الحيل الجائزة التي يترتب عليها إعلاء كلمة الله، ونصرة الإسلام والمسلمين.

٦- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحرب خدعة " [١٣٥] .

قلت: اتفق الفقهاء على جواز خداع الكفار في الحرب إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز، كما يدل أيضاً على تحذير المؤمن من خداع الكفار لئلا تكون الغلبة عليهم.

والخدعة في الحرب من قبيل الحيل التي يحتال بها لعزة الإسلام والمسلمين ولها أضرب متعددة وأساليب متنوعة، بل أصبحت حديثاً من أشد الأَسلحة فتكاً في الدفاع أو في الهجوم، ومن أمثلة الخداع في الحرب: التورية في الغزو، روى الشيخان عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، وعدواً كثيراً فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم " الحديث [١٣٦] .