فجده لأبيه (كمال باشا) من أمراء الدولة العثمانية، كان ذا حظوة لدى سلاطينها، إذ كان مربيا لبايزيد الثاني (ولي العهد آنذاك) ، ثم صار (نشانجى)[٣] الديوان السلطاني [٤] . وكان عالما ومن تلاميذه [٥] التفتازاني [٦] والشريف الجرجاني [٧] . وكذلك كان والده (سليمان بك ابن كمال باشا)[٨] ، فقد كان من قادة عساكر السلطان محمد الثاني الفاتح وحامل لواء (أماسيا amasya) في فتح القسطنطينية عام ٨٥٧ هـ/١٤٥٣ م. وصار بعد الفتح وكيلاً لجند السلطان برتبة (صوباشي)[٩] ، أي منصب من تتوفر فيه الكفاية لضبط البلد من جهة السلطان [١٠] .
في ظل هذه الأسرة المنعمة نشأ صاحبنا (ابن كمال باشا) ، وقد حُبِّبَ إليه العلم والترقي فيه فأكب في شبابه على نهل المعرفة ليلا ونهارا. ثم انتظم في سلك الجيش، وخرج سنة ٨٨٧ هـ في سفر مع الوزير (إبراهيم بن خليل باشا) ، وكان معهم الأمير (أحمد بك بن أورنوس) وهو المقدّم على سائر الأمراء آنذاك، وبينما هم في مجلسهم ذات يوم إذ دخل عليهم رجل من العلماء رثّ الهيئة فجلس في صدر المجلس، مما أثار استغراب ابن كمال باشا، وتساءل عن هذا (الرجل) الذي تقدم على مجلس الأمير، فقيل له: إنه رجل من أهل العلم يُقال له (الملا لطفي) .. فكانت هذه الحادثة نقطة تحول في حياة (ابن كمال) إذ تأكد له من يومها أنه لن يبلغ المراتب العالية إلا إذا اشتغل بالعلم الشريف، وكان له ما أراد، أما أصل الحكاية فلنستمع إلى ابن كمال يرويها بلسانه إذ يقول [١١] :