".. كنت واقفا على قدمي قدّام الوزير المزبور. والأمير المذكور عنده جالس إذ جاء رجل من العلماء رث الهيئة دنيء اللباس فجلس فوق الأمير المذكور، ولم يمنعه أحد عن ذلك فتحيرت في هذا. فقلت لبعض رفقائي: مَنْ هذا الذي جلس فوق هذا الأمير؟ فقال: هو رجل عالم مدّرس بمدرسة (فلبا filibe) يقال له: المولى لطفي. قلت: كم وظيفته؟ فقال: ثلاثون درهما. قلت: فكيف يتصدّر هذا الأمير ومنصبه [١٢] هذا المقدار؟ قال رفيقي: إن العلماء معظمون لعلمهم، ولو تأخّر لم يرض بذلك ولا الوزير، قال رحمه الله تعالى: فتفكرت في نفسي فقلت: إني لا أبلغ مرتبة الأمير المذكور في الإمارة، وإني لو اشتغلت بالعلم يمكن أن أبلغ مرتبة العالم المذكور، فنويت أن أشتغل بالعلم الشريف ".
بعد هذه الحادثة وَقَرَ في نفس ابن كمال باشا أن يسلك طريق العلم الشريف، فترك الجيش ولازم المولى لطفي في مدرسة (دار الحديث) بأدرنة، وقرأ عليه (حواشي شرح المطالع) ، وقد سبق له قراءة (مبادئ العلوم) في صدر شبابه. ومن شيوخه الذين تلقّى العلم على أيديهم [١٣] :
ا- المولى القسطلاني، مصلح الدين مصطفى
٢- المولى خطيب زاده، محيي الدين محمد
٣- المولى معروف زاده، سنان الدين يوسف.
وفي سنة ٩١١ هـ[١٤] صار (ابن كمال باشا) مدّرسا بمدرسة (علي بك) في أدرنة، وقد طلب منه السلطان بايزيد الثاني أن يكتب تاريخ العثمانيين.
وفي سنة ٩١٧ هـ[١٥] ولي التدريس بمدرسة (أسكوب) في اليونان. ثم رجع في سنة ٩١٨ هـ إلى المدرسة الحلبية بأدرنة. ثم صار مدرسا بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، وبعدها بإحدى المدارس الثمان [١٦] إلى أن أصبح مدرسا لمدرسة السلطان بايزيد الثاني.
وفي سنة ٩٢٢ هـ صار قاضيا لأدرنة، وفي السنة نفسها جعله السلطان سليم الأول [١٧](قاضي عسكر الأناضول)[١٨] ، ثم عزل من هذا المنصب سنة ٩٢٥ هـ، وعينّ رئيساً لدار الحديث بأدرنة.