للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يقصد معنى التعوض أو الاستعاضة، فيكون المعنى أخذت كذا عن كذا أو استخذته، فيتعدى الفعل في هذا الوجه إلى شيئين ينصب أحدهما وهو الحاصل المأخوذ، ويجرّ المتروك بالباء وهو المأخوذ عنه. كقوله تعالى: {ومَنْ يتَبدَّل الكُفْرَ بالإِيمان} (١) أي يتعوض، وكقوله: {ولا أنْ تبدَّلَ بهنَّ مِنْ أزواج} (٢) و"من"زائدة دخلت على المنصوب. وكقوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} أي تستعيضون.

وقد يغني عن الباء ما يؤدي معناها، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} وقد تحذف مع مجرورها، كقوله تعالى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} (٣) أي بكم. وربما جرّ الحاصل بالباء والمتروك بمن عند قصد التعوّض، ومنه قول المعري:

إذا الفتى ذَمَّ عَيْشاً في شَبيبتِه

فما يقولُ إذا عَصْرُ الشَّباب مضى

وقد تعوَّضْتُ مِنْ كُلً بمشبهه

فما وجدت لأيّامِ الصبا عوضا

ومنه قول القائل يرثي ابناً صغيراً.

تعوّضَ بالحجارَةِ مِنْ حُجُور

وبانَ عن الُّترْيبِ إلى الُّترابِ

ومن أبيات الحماسة:

وهَلْ هي إلا مِثْلُ عِرْسٍ تبَدّلتْ

على رَغْمِها مِنْ هاشمٍ في مُحارب

يعني أنها نكحت في هاشم وفارقتهم فنكحت في محارب.

وجاء بـ"في"في موضع الباء لمقاربة ما بينهما، والفعل في هذا الوجه مطاوع الفعل في الوجه الذي قبله. تقول: أبدلت الشيء بالشيء، فتبدَّله.

فهذه أربعة أوجه على أربعة مقاصد، تتعيّن الباء في المقصد الأوّل المعوّض الحاصل، ويجوز دخولها عليه في بعض المواضع في الثالث والرابع على ما ظهر من التفصيل.

ثم قد يمكن ردّ ما ذكر من أمثلة الباء في الوجه الثاني إلى الوجه الثالث بحذف المفعول الأول، كأنه قال في بيت امرىء القيس: سنبدل محلك من نفوسنا إن أبدلت موضعنا من نفسك. وكأنه قال في بيت معن بن أوس:

وبدَّلَ سُوءاً بالذي كان يَفْعَلُ