أما تقدير الكلام في هذه الآية الكريمة على ما ذهب إليه معظم المفسرين فهو: أخبرني عن آدم هذا الذي كرمته عليّ لمَ كرمته عليّ، ففي هذا التقدير الذي جعل فيه المفعول الثاني جملة استفهامية نجد المعنى واضحا مرتبطا أوله بآخره وآخره بأوله، وأن العلاقة وثيقة بين مفعولي أرأيتك، وأن المفعول الثاني جاء مشتملا على موضع الاستفهام والاستخبار عن المفعول الأول، وأنه يسير وفقا لأساليب أرأيت التي بمعنى أخبرني.
ومن هذا الذي تقدم يتبينّ أن ما ذهب إليه أبو حيان من كون الجملة القسمية مفعولا ثانيا لأرأيتك مذهب بعيد عن الحسن كل البعد.
هذا، وقد رجع أبو حيان عن هذا الرأي في آخر الجزء الأخير من تفسيره البحر المحيط عند تفسير قوله تعالى:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} ... الآيات (٩-١٤) من سورة العلق، فقال متحدثا عن المفعول الثاني لأرأيت التي بمعنى أخبرني:"وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية"(البحر المحيط ج٨ ص ٤٩٤) .
هذا، والتاء في {أَرَأَيْتَكَ} ضمير المخاطب فاعل، والكاف- عند البصريين- حرف خطاب لا محل له من الإِعراب، مؤكد لمعنى التاء قبله، وهو من التوكيد اللغوي.
وذهب الفراء إلى أن الكاف في {أَرَأَيْتَكَ} لها محل من الإِعراب وهو النصب على المفعولية، والمعنى أرأيت نفسك، و {هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} مبتدأ وخبر وقد حذف منه الاستفهام أي أهذا الذي كرمت عليّ.
وقال ابن عطية: الكاف في {أَرَأَيْتَكَ} حرف خطاب ومبالغة في التنبيه لا موضع لها من الإعراب فهي زائدة، ومعنى أرأيت أتأملت ونحوه، كأن المخاطب بها أي بأرأيتك ينبّه المخاطب ليستجمع لما ينبه عليه بعدُ، ولا تكون بمعنى أخبرني إلا إذا كان بعدها استفهام مصرح به.