للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولاشك أن الديوانيين قد جاؤوا الشعر العربي في هذا العصر بعدد من القيم الفنية، استمدوا معظمها من الأدب الغربي، وأفادوه في عدة جوانب منها: إعادته إلى التعبير عن الوجدان الفردي بإِخلاص وصدق، كما كان في شعر معظم الشعراء الجاهلين والإسلاميين، والشعراء الغزليين، والصوفيين، وأصحاب الاتجاهات الفردية، كابن الرومي والمتنبي (في غير مدائحه) وأبي فراس الحمداني وأبي العلاء المعري ... وغيرهم من الفرديين الذين لم يخل منهم عصر من العصور. وعلى ذلك فإن دعوة الديوانيين ليست جديدة كل الجدة على الشعر العربي، وليست نابعة - أيضا - من التيار الوجداني العربي، وإنما من الرومانسية الغربية.

وكذلك الأمر بالنسبة لآرائهم النقدية، فهي أيضا نتيجة من نتائج تأثرهم العميق بثقافتهم الإنجليزية، ولعل هذا هو الذي يفسر لنا التفاوت الكبير بين دعوتهم النظرية وتطبيقهم العملي، فشعرهم - ولاسيما شعر العقاد، ثم شعر المازني - لا يحقق أحيانا المبادئ التي دعوا إليها، ولا يخلوا من المعاني التي هاجموها بشدة. والطريف أن العقاد نفسه - وهو أعنف زملائه في الهجوم على الشعر التقليدي - وقع في الفخ الذي نصبه من قبل لأمير الشعراء أحمد شوقي، فقد أخذه الناقد محمد مندور بجريرة تفكك القصيدة وضياع وحدتها العضوية، وطبق عليه الطريقة نفسها التي اتبعها هو في تحليل قصيدة شوقي، وكال له بالمكيال الذي استخدمه في الهجوم على شوقي! [١٥] .

والأمر الذي يحسب للديوانيين أنهم فتحوا الباب لرياح الحداثة أوسع مما فتحه أية داعية من قبل، وأنهم جرؤوا من بعدهم أن يدفعوا الباب بحدة أكثر، إلى أن جاء من يقتلعه نهائيا.