للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أخذ عدد من الشعراء الشباب يدرسون بتوسع قصيدة الشاعر الغربي، ويتتبعون تجاربه المتعاقبة، منذ إرهاصات الرومانسية، وإلى آخر الحركات التي ورثتها، فاطلعوا على ما أحدثه التصويريون، والتعبيريون، والواقعيون، أمثال: إيليوت وأزرا باوند، وإيديت ستويل، وكيتس.. وغيرهم. وتتلمذوا بإعجاب شديد على هذا الشعر، كما تتلمذوا أيضا على أعلام الشعر الرومانسي الغربي. وجاء تأثرهم أول الأمر بالشعر الرومانسي الغربي أقوى من تأثرهم بالاتجاهات التالية، فقد بلغ إعجابهم بشعرائه درجة جعلتهم يهدونهم قصائدهم المبكرة، ويترجمون أشعارهم في قالب شعري، على نحو ما فعل الديوانيون من قبل. فنازك الملائكة تكتب في ديوانها الأول "عاشقة الليل"قصيدة بعنوان "إلى الشاعر كيتس" [٥٩] مشيرة إلى تأثرها بقصيدته، وتترجم قصيدتين من الشعر الإنكليزي: الأولى قصيدة البحر للشاعر بيرون [٦٠] والثانية مرثية في مقبرة ريفية للشاعر توماس غراي [٦١] . وبدر شاكر السياب يهدي خمسا من قصائده المبكرة إلى روح الشاعر الرومانسي ورد زورث [٦٢] ويهدي مطولته بين الروح والجسد إلى روح الشاعر بودلير [٦٣] ، وعبد الوهاب البياتي يسجل إعجابه الشديد بالشعراء الرومانسيين فيقول: "إنني لأذكر كيف ألهبت مشاعري في ذلك الوقت - وقت دخوله دار المعلمين (عام ١٩٤٤م) - كتابات أودن وأشعاره بغنائيتها الواقعية التي سبقت إليوت إلينا. ولم يكن أدباء التعبير عن الأزمة من عرفناهم وحدهم، ولكننا عرفنا بيرون وشيلي وكيتس ورامبو وهوغو " [٦٤] .

وهكذا بدأت إرهاصات وتغيرات جديدة وعميقة تظهر في شعر هؤلاء، وتنذر بعاصفة حداثية كبيرة قادمة.. وهذا ما كان.. وهو ما سنراه في الحلقة القادمة إن شاء الله.