وقد كتب للاتجاه الاتباعي أن يعمر في العراق أكثر مما عمر في بقية البلاد العربية عندما تسلم الجواهري ريادته، إذ تمكن هذا الشاعر من استصفاء التراث ثم تقديمه في أعلى مستويات الأصالة. فمنح الاتجاه الاتباعي مسوغ الاستمرار، في الوقت الذي كاد فيه يتهاوى في مصر.
ومع ذلك، لم يخل الجو من دعوة هنا ورأي هناك حول ضرورة نبذ الصياغة الاتباعية. كما ظهرت حملات على الشعراء الذين يقلدون شعراء مصر وسورية، فقد كتب عنهم أحد مهاجميهم يقول:"يزعمون التجديد، ويدعون الابتكار، وقد وضعوا نصب أعينهم شاعرا مصريا أو سوريا وأصبحوا يقتفون آثاره فكرة وتعبيرا. وقد نتج عن ذلك أن النتاج الأدبي في العراق اليوم ما هو إلا نتاج تقليدي مبتذل لا يستحق إعجابا أو تقديرا".
بعد ئذ تعرض الشعر العراقي لمرحلة تداخل الرومانسية مع الاتباعية، ومر بفترة قلق كانت الاتجاهات فيها غير واضحة، وكان المثل الأعلى أمام الشعراء هو الشاعر المصري أو السوري.
ولعل الشاعر عبد القادر الناصري (١٣٣٨-١٣٨١هـ - ١٩٢٠-١٩٦٢م) خير من يمثل طابع الشعر العراقي في هذه المرحلة. وهو نموذج الشاعر الذي كونته قراءات مجلة الرسالة، ودواوين شعراء المهجر، وقصائد علي محمود طه وإبراهيم ناجي. لذا راح يقلدهم في عرض تجاربهم الشعرية شكلا وموضوعا [٥٨] .
كانت هذه المرحلة في فترة ما بين الحربين، وكان معظم الشعراء العراقيين يقلدون الشعراء في مصر وسورية، لذا كانت رؤيتهم مشوشة ومضطربة بين القديم والجديد، تجتمع في شعرهم النزعتان الاتباعية والرومانسية غالبا.