وأما إذا ظللنا لا نعيش إلا على فتات موائد الغرب، والإشادة بكل هراء من ناعق، ونبذ تراثنا الخالد، ووصمه بما لا يفق مع سموه، فإننا مع الأسف نكون كما قال المؤلف:"أذنابا ينقادون ولا يقودون، ويقلدون، ولا يبتكرون".
ثم يقف المؤلف محاميا عن الأدب العربي القديم أمام محكمة التجديد ويبدأ مرافعته بقوله:"أما الذين ينتقصون الأدب العربي القديم ويعيبونه فهم يذكرون عيوبا ليس من بينها عيب واحد يثبت على التحقيق", وأكثر هؤلاء من المفتونين بالأدب الأوروبي ويردون أن يحملوا الأدب العربي عليه، ويفنوه فيه، فيجعلوه باب من أبوابه، وأسلوبا من أساليبه، وشعبة من واديه، فهم لا يستحسنون من تراث العرب إلا ما وافق مذهبا من مذاهب الغرب، فعابوا على الشعر القديم نظام القافية، لأم الشعر الأوروبي خال منها، ووصفوا التأنق في التعبير، والاحتفال بجرس الألفاظ بالغثاثة، والتفاهة، لأن اللغات الأوروبية في فقرها وضيقها تعجز عن مجاراة اللغة العربية فيه.
هذا إلى آخر ما تعرض إليه المؤلف الفاضل من أمور بلغت من الأهمية في هذا الموضوع الغاية القصوى، ولو ذهبت إلى ذكرها فقرة فقرة لشذذت عما التزمت في فاتحة بحثي، فحسبي أن دللتك عليه بإشارة مقتضبة، والله من وراء القصد.