ومنذ العهد الأموي انتقلت مراكز الجهاد إلى الحدود، وتكفل جند الدولة بالجهاد-ذلك الجند المرصود في العاصمة دمشق، أو المقيم في الأمصار الإسلامية (كالبصرة، والكوفة، والفسطاط، والقيروان....) أو على الأطراف في الثغور. ولم يتغيّر هذا الوضع في عهد الدولة العباسية الأولى. واستمر أهل الإِيمان يخرجون للرباط في نواحي الحدود، ويشتركون في الجهاد، حسبة لله وتطوعا، ولم تخل بلاد الإسلام أبداً من أفذاد يتطوعون للرباط، أو الجهاد، ويخفّون إلى مناطق الثغور والسواحل، للاشتراك في ذلك العمل الجليل مع الجند، أو الانفراد به. وطَرَسوس من المدن التي مصّرها المسلمون في العهد العباسي في آسيا الصغرى، وقامت بدور جهادي بطولي هو موضوع بحثنا هذا بإذن الله.
وطرسوس: بفتح الطاء والراء [١] ، من مدن آسيا الصغرى، على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الشمال الغربي من أنطاكيا، من ثغور الشام المشهورة، مع المصيصة [٢] ويبعد عنها مضيق البوسفور أكثر من ٤٥٠ ميلا في خط مستقيم قاطعا هضبة آسيا الصغرى الجبلية [٣] وكانت قاعدة للهجوم الإسلامي على القسطنطينية [٤] ، منذ تمصيرها، براً أو بحرا، إذ تشرف على المدخل الجنوبي للدرب المشهور عبر جبال طوروس المعروف بأبواب قليقية [٥] . فكان بينها وبين حدّ الروم جبال منيعة متشعبة من اللكام [٦] . كما كان يشقها نهر البردان (نهر كودنس)[٧] ومنبعه من جبل في شمال طرسوس يعرف بالأقرع، ويصب في بحر الروم، (البحر الأبيض المتوسط) غير بعيد عن المصبّ الحديث لنهر سيحان.
وفي ناحية الغرب وعلى مرحلة من طرسوس نهر اللامس، الذي شهد أحداث الفداء بين المسلمين والروم [٨] مرات كثيرة.
طرسوس في عهد الخلافة الراشدة والدولة الأموية ١١-١٣٢ هـ: