للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٩ - أريحي له يد تمطر

ويتردد هذا الغرض في عدد من أبيات المدح يكون فيها الثاني تثبيتاً للأول كالأبيات (٣٣ - ٣٩) فهي، إذن، ظاهرة مميزة في القصيدة يحرص فيها بشار على استقرار المعنى عند السامع وأن يبلغ الأثر فيه أبعد ماله من مدى.

ولا تنحصر هذه الظاهرة ما بين الأبيات في قسم المدح بل نجد لها نظيراً في المقدمة الغزلية في الأبيات (٣ - هـ) ولكن التكرار فيها يطلب التطويل لا التأكيد.

(٦) أشكال التوليد وأسبابه:

فهل كان بشار يجنح لتكثير عدد الأبيات في القصيدة؟ قد لمحنا ذلك في موضعين من المقدمة الغزلية، وفي مواضع متعددة من المدح، ونحن، وإن كنا نرى أن بعض التكرارات لم تفد المعنى شيئاً، وجدنا أن الكثير منها كانت له فائدتان: تأكيد المعنى الذي بيّناه، وإيراد المعنى في لبوس جديد: إما في صورة محسوسة من التشبيه الضمني (انظر البيتين ٣٣ - ٣٤) أو الاستعارة أو الكناية (انظر البيت ٣٨) أو التشبيه البليغ (انظر البيت ٥٢) . وقد يكون التكرار لإصلاح الأسلوب كما بيّنا في البيتين (٣٥ - ٣٦) غير أن العودة إلى المعنى بالصورة الحسية هو الأغلب، وهو حرص من الشاعر متوخىً، لتكرره في غير موضع، وكأنه إذ صاغ المعنى صياغة نظرية أو رده في صورة محسوسة إمتاعاً وتثبيتاً وإظهاراً لجانب الاقتدار على الصور.

فما العلة وراء هذا الصنيع؟.

من الممكن رد هذه الظاهرة إلى علة مزدوجة:

(أ) منها عادة عقلية أو مسلك في التفكير تأصّل لدى الشاعر بتقليب المعنى على وجوهه من شتى أطرافه، أو بالصور الطريفة التي يجد السامع متعة في استعادة المعنى من خلالها، ولعل نقاد عصره أعجبوا بطريقة بشار هذه، فتمكنت من تعبيره، يشهد بهذا قول ابن الأعرابي لما أنشده رجل بيتاً لخالد الكاتب:

وليل المحب بلا آخر

رقدت ولم ترث للساهر

فاستحسنه ثم أنشده رجل لبشار:

وما بال ضوء الصبح لا يتوضح