فانحلت كل منها إلى غير لفظة من أسماء المعاني في هذا الشريط الذي يروع بما فيه من تجانس - كما أشرنا - ومن دقة في تحديد المضمون. ولو مسحنا ألفاظ هذه القصيدة لوجدنا لأسماء المعاني حظا كبيرًا يقارب أو يكاد يوازي أسماء الذوات، في الغزل أو في المدح وباستطاعتنا أن نصنف طائفة كبيرة من كل من النوعين. ونجتزئ من أسماء المعاني - بالإضافة لما سبق في البيت - بمثل "دواء، داء، شقاء، النوم، ود، الهوى، جهد علم، وعد، مصير، فناء، عزاء، الخلال، الغناء، الرجاء، الخوف، العطاء، الثناء، الصفح، الصفاء، البخل، الحمد، الذم، الفضل "فإذا امتازت هذه الألفاظ بدقة التوظيف - كما هو واقع الحال - علمنا ما كان يملك من هذا النوع من مخزون ثري يقدمه ابتداءً قبل أن يشفعه بمرادف مادي.
(٨) الجزالة والإيقاع:
والحق أن بشار بن برد ملئ لغةً فياض الرصيد، يسكب معانيه في لبوس من الألفاظ قُدت لها قدًا لا أصلح ولا آنق، ولا تخطئ الأذن جرساً يجنح إلى الجزالة يسيطر على القصيدة من المطلع إلى الختام، يتماوج ونوعية المعنى: من جزالة منعمة في الغزل إلى فخامة مضخمة في المدح، في مثل قوله:
ت فغيث أجش ثر السماء
٥٢ - أسد يقضم الرجال وإن شئـ
وهو يتجافى عن الغريب جهده إلا إذا طلبت مادة الوصف بعض الألفاظ النائية عن الحضرية كما تقتضي طبيعة البيئة الصحراوية.
فهو، إذن، يوائم بين الألفاظ ودلالاتها الصوتية، فينخفض في لسان في مثل قوله:
وتصدت في السبت لي لشقائي
أسقمت ليلة الثلاثاء قلبي
ويرتفع بارتفاع أحرف المد المتواليات من ألف وياء في قوله: