وهذه المشاكلة بين المعاني وألفاظها والقيم الصوتية المتآلفة منها أضفت على شعره جلالة راعت أدباء عصره. وإن الصوت ليتماوج تماوج المعنى، صادرا من التراكيب التي تتوزع البيت بإيقاع منظم، يبعث صدى موحيا بالمعنى أو بانفعال الشاعر أيما إيحاء، شأن الصدى المنبعث من البيت المتقدم، في موجات ثلاث متقاربة متناظرة من تراكيبه الثلاثة المتسقة زمناً وصيغة وإسناداً.
وتراكيبه غنية بالقيم الصوتية عموماً، ولكل بيت إيقاعٌ ينثُّه مضمونهُ، وصورُ تراكيبه نثاً ينشأ عنه تآزر تلقائي، صادر عن حسٍ لغوي فطري، بين تلك الأقطاب الثلاثة: اللفظ ومضمونه وجرسه، وهو يحقق هذا التآزر بمراعاة صيغ التراكيب أو الجمل -
كما بينا في البيت المتقدم - وغالباً ما نلقى في البيت تركيبيين، على الأقل، من صيغة وقيمة موسيقية واحدة طلباً للجرس الموقع، فالبيت (٢٧) صورة صوتية موقعة لإرقال ناقة مسرعة:
ل مروح تغلو من الغلواء
بسبوح اليدين، عاملة الرجـ
إذ يرسم، في الزمن الواحد، الحركة مرئية بسرعتها، ومدركة بما يُولدّها من نشاط واندفاع ذاتي. والتراكيب الثلاثة الأولى ترسم السرعة، وكل من الأول والثاني تركيب إضافي، فهما من قيمة صوتية متقاربة، ومروح "توازن، سبوح "صيغة، وتحكم التراكيب الثلاثة حركة الخفض في خمس كلمات متوالية كالإيقاع المنتظم الذي ترسم أجزاؤه المتساوية
مستقيم بوثبة من الفعل "تغلو"واندفاع ممعن من المصدر "الغلواء"اندفاع من لا يريد أن يقف، يمتد بامتداد حركات ثلاث متعاقبات - في "غلواء"- من ضم بعده فتح بعده مدّ ممدود يبلغ به الانطلاق أقصاه.