للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتشاكل الصوتي لا يقف به حسّ الشاعر عند صيغ التراكيب بل يتناول الحروف التي يراعي الانسجام ما بين أصدائها كالتقارب الصوتي في حروف كل من اللفظيين "سبوح - مروح "فهما تشتركان بحرفين متجاورين ليس قبلهما حرف من الحروف الضخمة المستعلية. ولكن إذا ألقت الوحشة ظلالها على البيت، وظهر الحرف القوي الموجس بالخوف إيجاس حرف الخاء في قوله:

ب فضاء موصولة بفضاء

من بلاد الخافي تغول بالرك

تتابعت، في ضربات إيقاعية موقوتة، الغين والضاد في ثلاثة مواضع، لتجانس الخاء في القوة والاستعلاء ولتنشر في أعقاب حروف المد رهبة غير محدودة.

والتجانس الصوتي صفة كل بيت في قصيدة بشار يجيش لحنه حيناً - كما رأينا - ويطمئن حينا اطمئنان البيت الأخير بحروف الهمس واللين:

وإذا سار تحت ظل اللواء

فعلى عقبة السلام مقيماً

على أن التجانس الصوتي، وما ينشأ عنه من إيقاع، يبلغ تمامه بالقافية.

(٩) القوافي:

وتبدو قافية كل بيت كأنها حلقة الختام في سلسلة مقدرة تقديرا، عندها تنتهي الموجة الإيقاعية، وبها تبلغ الذروة، فإذا قافية البيت تنتسب لكل لفظة فيه فيأتي من إحكام القافية بالعجب العجاب، ونظرة في الأبيات الثلاثة الأولى تهدي إلى أنّ كلمة القافية يرهص بها ما يتقدمها من الكلم إرهاصاً لا يقتضي غيرها في نهاية المطاف: أليست الصفة "حوراء"متحدة بموصوفها، والموصوف جزء من "أم العلاء"ثم هي - أي الصفة حوراء - سبب التخدير. و"الدواء" أليس محمولا على الشطر الأول من البيت الثاني، و"إزاء"في إطار الجملة الدعائية ألم يرهص له "على رغم إزاء".

ألا يدل إيراد كلمة وفاء في قافية البيت (٣) بعد لفظة "ندى"على التلازم المعنوي بينهما فإنه لا كرم على الحقيقة إلا بالوفاء به؟ والحق أن المصادر - أسماء المعاني الدالة على الفضائل - تتساند في رتل متراص حتى يكون آخرها القافية:

دة والبأس والندى والوفاء