والبيت "٤٥ "تنسل قافيته من أول كلمة فيه. وليس من غرضنا التتبع لقوافي الأبيات كلها غير أن قافية البيت الخامس تفاجئ المستمع مفاجأة:
ثم راحت في الحلة الخضراء
٥ - وغداة الخميس قد موتتني
وليس في البيت أو ما قبله ترشيح يقتضي هذا اللون دون غيره، ولعل الشاعر أراد أن يوهم أنه يحبها وهي في حلتها الخضراء إذ تبدو أجمل في عينيه لتعلق نفسه بهذا اللون، وقريب منه البيت السابع عشر:
د فأوفى ما قلت بالروحاء
١٧ - قد يسيء الفتى ولا يخلف الوعـ
ولا يطالعنا اسم هذا الموضع من قبل ولا من بعد، ولا يرشح له حديث لقاء صريحٍ. فلماذا هذه المفاجأة بالقافية وما كان لمثل شاعرنا أن يخطئه الضعف فيها لو أحس فيها ضعفا؟ لا تعليل سوى أنْ أراد بذكر اسم المكان إضفاء لون الواقعية على العلاقة، ولكنها لا تنزل محكمة في مستقرها إحكام القوافي الأخر [٥٤] ، واستبدالها بنظير آخر لا يزلزل بناء البيت.
(١٠) أصالة الأداء:
كل ما في هذه القصيدة ينبئ عن أصالة مبرأة من الوهن، وكذاك الشاعر الفحل، ألم يقل ابن الأعرابي: إن أبيات بشار سباع تهم أن تأكل بغاث الشعر؟
وهذه الأصالة تجعل العاديّ المستهلك طريفاً، وتخرج المشاع من المعاني في حلة قشيبة، وهل ثمة ذيوع أوسع من ذيوع كلمتي الشجاعة والكرم، ولكن بشاراً، بأسلوب مبدع من أساليب العرض، - يحملنا على الإعجاب بها كما نعجب بمبتكر طارئ أليس في أسلوب السؤال والتقرير في قوله:
دة والبأس والندى والوفاء
٣٠ - أيها السائلي عن الحزم والنجـ
ومزيداً من مثلها في العطاء
٣١ - إن تلك الخلال عند ابن سلم
إحياء لهذين المعنيين: لقد فقدت الفضيلتان وأضلهما الناس ولكن الشاعر يعرف إنساناً واحدا لا يزال وحده يحتفظ بهما، فإذا تعب الباحث عنهما وأخبره الشاعر بمكانهما أفما دَلّه على شيء ثمين؟