وهي في كتاب الله يملؤها مضمون آخر هو الخوف وذهاب النفس من الفزع. قال تعالى يذكر ذل الكفار يوم القيامة وقد طارت قلوبهم هولاً {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ}[٥٨] . ولها نوع اتصال بعناصر من صورة أخرى من كلام الله {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[٥٩] . كما تلاقي قول العرب:"طارت نفسه شعاعًا"بعنصر ضمني هو الفضاء، وذلك إذا تفرقت هِمَمهُا ورأْيُها ولم تتجه لأمر [٦٠] في الخوف المسيطر، قال قطري بن الفجاعة:
من الأبطال ويحك لن تراعي [٦١]
أقول لها وقد طارت شعاعاً
واختلاف المضمون لا يمنع قرابة الصور واشتقاق بعض من وحي بعض.
ولكن التعبير الواقعي والمجازي - الخيالي - في هذه القصيدة صنوان في التقنية الفنية ووظيفة الأداء، وبذلك نجد الخيالي تتمة طبيعية لما هو حقيقي، فهو في الموضع الأمكن من البناء الفني، غير أنه لا يُشكّل إبداعاً مميزاً إلا ندوراً، وذلك للاعتداد بالمادة التقليدية وبالجهد الفكري في إخراج الصور الخيالية، على أن التحكم الفكري الواعي في نَوْعيّ الأداء الواقعي والخيالي جعل في الواقعي شاعرية وجاذبية لا تقل عن الخيالي لما امتاز به الشاعر من تدقيق في تحديد الأوضاع والصفات الحقيقية كما قال في صفة الناقة:
ل مروح تغلو من الغلواء
٢٧ - بسبوح اليدين عاملة الرجـ
وفي الفتى الوصيف:
باع صَلْتَ الخدين غضَّ الفَتاء
٤٠ - وحباني به أغر طويل إلى الـ
فهذه الصورة المخططة باللفظ الحقيقي ليست، في سياق الأداء، دون الصورة التي رسمها التشبيه للوصيف: