والثاني يخطط للصورة ويهيئ عناصرهما ثم يخرجها على نسق ونظام ومقارنات محكومة بالفكر. وصور بشار الخيالية من هذا المورد، وثمة صورة في القصيدة جاءت كرتين في المقدمة وبصياغة واحدة وألفاظ مترادفة، وليست من الصور المجنحة إبداعاً، إنها من النوع القريب يعبر بها عن الإحساس بالخفة أو فقدان الثقالة والوزن قال:
بك حتى كأنني في الهواء
٧ - واستخف الفؤاد شوقاً إلى قر
ق صريعا كأنه في الفضاء
١٥ - أنت باعدته فأمسى من الشو
وأحسب الصورة بمضمونها هذا مما كان يدور على ألسن العامة من الصور العفوية فنقلها هو إلى الشعر كأنما قد استحدثها، وأظنها ذات صلة وثيقة بذاته، أو بإحدى عقده النفسية إذ كان ضخماً طوالا مُثقَّلا، ومن يدري لعله كان يضيق بالسمن المفرط صدراً
ويشتهي النحول والرشاقة لما فيهما من القبول، وبعض غزله ينم عن هذه الرغبة المكبوتة:
لو توكأت عليه لانهدم [٥٧]
إن في بُرْدَيَّ جسما ناحلاً
فكان يتوق إلى أن يستشعر نفسه خفيفاً كالورقة في مهب الريح، فتوافي هذه الصورة تعبيراً رامزاً إلى التوق المستكن ما وراء الشعور الواعي. ولهذه الصورة أصول في الموروث من التراث الأدبي، في القرآن العظيم وفي غيره.