ولكن بعض الصور تتفوق في "المضمون "وتحقق تجسيداً مادياً للمعنى وصفته معاً يوائم نوعيته ويقوي الأثر الانطباعي المقصود، كما في قوله:
يشترى الحمد والثناء ويرى الـ
ذم فظيعاً كالحية الرقشاء
فالتأليف ما بين "الذم - الحية الرقشاء"يعتمد على حس دقيق في التوافق ما بين المعنوي والنظير والشبيه المادي، إن الذم ينفث السم المميت!
وهذا ما يجعل الصورة، عند بشار، من البيت في الموضع المستقر كأنها الجزء الطبيعي من التعبير ولو استقلت الصورة بالبيت كله، كقوله:
ب وتغشى منازل الكرماء
٣٤ - يسقط الطير حيث ينتثر الحـ
فهو الرديف البرهاني لما تقدمه:
عقبة الخطير مطعم الفقراء
٣٣ - حرّم الله أن ترى كابن سلم
ذلك أن التشبيه الضمني يتفتح شاهداً واقعياً، لا يُدْفَع على الكرم العمِّ كما يشهد لبشار بمحرزات ابتكارية تتأتى له في عنفوان النظم، ولكن النظر فيه يدل على أنه صناعة عقلية أكثر منه خطفاً خيالياً، ألا ترى إلى الربط ما بين الفعل "سقوط الطير - وعلته - انتثار الحب "وأعرق صوره إبداعاً تتداعى من عناصر ألّفَ بينها التفكير والتنسيق المنطقي الواعي، ألم يعجب النقاد والبلغاء بقوله:
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه [٥٥]
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وهي صورة ركّبها فكره البصير من عناصر يتزامنُ حدوثُها؟
وثمة فرقٌ بين الخيال الخلاق والخيال الفكري، فالأول يلمح الصورة في خطفة برق من الإبدال وتستوي له تامة متكاملة كقول الخنساء: