للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقدر وجه هذا الإشكال، أن عائشة -رضي الله عنها- اشترت بريرة بشرط العتق، كما دلت عليه الروايات، اتفق عليه الفقهاء، وأقامت عند عائشة –رضي الله عنها - تخدمها، وقد تقدم أن قصة الإفك كانت سنة ست، أو سنة سبع، أو سنة أربع، على قول موسى بن عقبة [٣٣٥] ولعل الأوّل أرجح، وقد كانت بريرة - رضي الله عنها- مقيمة عند عائشة - رضي الله عنها- من قبل ذلك بمدة، ولذلك سألها النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، ومجيء العباس - رضي الله عنه- إلى المدينة وإقامته بها، إنما كان في أواخر سنة ثمان، لأنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مهاجرا، فلقيه بطريق مكة متوجها إليها ومن الفتح، فرجع معه وشهد فتح مكة، وحنين، والطائف، ثم جاء بعد إلى المدينة، وحينئذ قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تعجب من حب مغيث بريرة". وإنما كان قبل ذلك مقيما بمكة، والظاهر [٣٣٦] أن هذا كان قريبا من فراق بريرة إياه، واختيارها نفسها، فيلزم من هذا أن يكون عتقها تأخر عن شرائها، وهو بعيد جدا، إذ لا يظن بعائشة [٣٣٧]- رضي الله عنها- أنها تشترى جارية بشرط العتق، ثم يتأخر عتقها عن الشراء مدة طويلة، بل ولا يقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وقد يقال: إن أصل المراوضة في بيعها كان بشرط العتق، ثم ابتاعتها بدون ذلك، وتأخر عتقها إلى أن قدم العباس- رضي الله عنه-، ولكنه بعيد أيضا، إذ لم يفهم العلماء في كل عصر من قصة بريرة إلا أنها بيعت بشرط العتق، وأقرب من هذين, أن يقال: إن محبة زوجها إياها امتدت زمنا طويلا إلى مجيء العباس، وبقي فسألها الرجعة، وفي صحيح البخاري كتاب العتق [٣٣٨] ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعتقيها، فإن الولاء لمن أعطى الورق"، فأعتقتها فدعاها النبي - صلى الله عليه وسلم - فخيّرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا