والخلاف الذي يرد في هذا البحث، بل يدور حوله, يتناول التعجب المباشر دون ما كان بواسطة (ما أشَدَّ) أو (أشْدِدْ) مأتياً بعدهما بالمصدر المؤول، الذي يدفع اللبس، ويرفع الشك، لورود الفعل المبني للمفعول صريحاً فيه.
وأما التعجب المباشر بدون هذه الواسطة بصيغتي (ما أَفْعَلَ) و (أَفْعِلْ) , فهو الذي اشترطوا لإمكانه مباشرة عدم البناء للمفعول؛ لأن التعجب في نظر الجمهور إنما يكون من فعل الفاعل، لأن التعجب إنما يكون مما كثر حتى صار كالغريزة له، والضربُ ونحوه إذا وقع بالمحل فليس من فعل المفعول، إنما هو للفاعل، فلا يصير فعل غيره غريزة له، لأن الغريزة ما كان خِلْقَةً في المحل كالسواد والبياض، فإذا تكرر الفعل من الفاعلِ جُعل كالغريزة [٣] حتى بالغ بعضهم فقال: "إنما معنى التعجب أن أجعل الفاعل مفعولا"[٤] .
التعجب أسلوبٌ من الأساليب الإنشائية، لا يُعْنَى به أهل البلاغة، لأنهم يقسمون أساليب الإنشاء إلى قسمين: إنشاء طلبي، وإنشاء غير طلبي, ويقصدون بغير الطلبي "مالا يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، ويكون بصيغ المدح والذم، وصيغ العقود, والقسم، والتعجب، والرجاء، ويكون ب (رُب) و (لعل) و (كم) الخبرية"[٥] .
ولا يقصده البلاغيون بالنظر، ولا يخصُّونه بتبويب خاص، "لقلَّة المباحث البلاغية المتعلقة به، ولأن أكثر أنواعه في الأصل أخبار نُقِلت إلى معنى الإنشاء"[٦] .
وأفعال التعجب كأفعال المدح والذم، مثل (نعم) و (بئس) لإنشاء المدح والذم والتعجب، وقيل: إنها أخبار تحتمل الصدق والكذب، ولهذا بُشِّر أعرابي ببنت، فقيل له: نِعْمَتِ المولودةُ، فقال:"والله ما هي بِنِعْمَتِ المولودةُ"[٧] .
ويمر به الصرفيون مرّ الكرام عند ذكر معاني الصيغ، مثل معاني فَعُلَ، ومعاني أَفْعَلَ.