لهذا فبعد أن باءت بالفشل حملة لويس التاسع ملك فرنسا على مصر المسماة بالحملة السابعة، خرج هذا الملك مذموما مدحورا خاسرا، فاشلا في تحقيق أحلامه في استرداد بيت المقدس عن طريق مصر، وغادر دمياط متوجها نحو قبرص، بعد أن فك المماليك أسره، مقابل فدية كبيرة وشروط مذلة.
ولم يلبث أن غادر قبرص متوجها نحو عكا، التي كان حاكمها يوحنا، شقيق ماري، إمبراطورة القسطنطينية، وزوجة الإمبراطور يلدوين الثاني، ومنها أخذ يعمل على تحقيق حلمه الذي لم يفارقه رغم كل النكبات، بل عاش معه حتى مات قي تونس وهو يقود الحملة الصليبية الثامنة عام ٦٦٩ هـ (٢٧٠ ١م) .
استغل هذا الملك فرصة النزاع الذي شب بين المماليك البحرية الذين استولوا على السلطة في مصر، بعد مقتل تورانشاه بن الملك الصالح أيوب وبن بقايا الأيوبيين في الشام، الذين رأوا في ذلك ضياعا لجزء هام من أملاك الأسرة الأيوبية، فعارضوا ذلك بشده وعلى رأسهم السلطان يوسف صاحب حلب ودمشق، فصار الملك لويس يساوم كلا الجانبين- الأيوبيين والمماليك- ويعدهما بالمساعدة حتى اتفق أخيرا مع السلطان معز الدين أيبك على أن يطلق المماليك عددا كبيرا من الأسرى الصليبين، وعلى إعادة رؤوس الفرنجة المعلقة حول أسوار القاهرة منذ وقعة غزة، وأن يتنازل المماليك عن النصف الثاني من الفدية المفروضة على لويس التاسع، وتعهدوا بإعادة بيت المقدس إلى الصليبيين، وذلك كله مقابل أن يقف الملك لويس، إلى جانبهم في حِربهم ضد الناصر يوسف صاحب الشام وأتفق على "أن تكون هذه الاتفاقية خمسة عشر عاماَ".