للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلف العلماء في حجية مفهوم الموافقة أو فحوى الخطاب فقال محمد بن داود وأهل الظاهر بأنه مفهوم من النطق فتصدي للرد عليه أبو العباس ابن سريج إذ جاء في شرح اللمع أنه قال: "حكي عن ابن سريج أنه ناظره محمد بن داود فألزمه الذرة فقال: "إذا قال: لا تمسك من المالك ذرة لا يجوز له أن يتناول المئين والألوف، لأن اللفظ غير موضوع له"فقال ابن داود: "لا أُسلم أن المئين والألوف ذرات مجموعة شكل ذرة منها يتناوله اللفظ"فألزمه ابن سريج نصف ذرة فقال "النصف لا يسمى ذرة"فلم يجب عنه ابن داود".

قد حكي الجويني في البرهان أن ابن سريج قد ناظر أبو بكر بن داود حيث قال له: "أنت تلتزم الظاهر وقد قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (١) فما تقول فيمن يعمل مثقال ذرتين". فقال مجيبا: "الذرتان ذرة وذرة". فقال أبو العباس ابن سريج: "فلو عمل مثقال ذرة ونصف فتبلد وظهر خزيه".

باب المجمل والمبين

مسألة: تأخير البيان عن وقت الخطاب:

معنى ذلك إذا ورد الخطاب من الشارع وكان مجملاً فهل يمكن أن يتأخر البيان عن وقت وروده أم لا؟.

اختلف علماء الأصول في هذه المسألة علي أقوال متعددة. فقال أبو العباس ابن سريج: "يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب". وقد استدل ابن سريج بالأدلة الآتية وهي:

أولاً: قوله عز وجل: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (٢) . وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (٣) .

وجه الاستدلال: أن ثم تقتضي المهلة والتراخي. فدل على أن التفصيل يجوز أن يتأخر عن الخطاب.


(١) سورة الزلزلة آية: ٦.
(٢) سورة هود آية: ١.
(٣) سورة القيامة آية: ١٧.