وهي إشارة إلى أن هؤلاء الرهط كانوا من الجماعة الإسلامية في المكانة الأولى، ولعل غيرهم والحال هذه لا يقدر معهم أن يحدث الجماعة الإسلامية عن نفسه في مسألة الخلافة فضلا عن أن يرشح نفسه لها، إلا أن يكون ذلك من أحاديث النفس، ثم أفضت الاتصالات بالناس في عملية الشورى التي أوصى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى اختيار عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وتوفي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عام ٣٢هـ في حياة عثمان بن عفان، ثم قتل عثمان عام ٣٥ هـ، واختير علي بن أبي طالب رضي الله عنه خليفة، ولكن قتل عثمان بن عفان أحدث فتنة [٣] انقسمت لها الجماعة واختلفت فيها الآراء والمواقف، وكانت امتحاناً عسيراً ألقى بين يدي المسلمين بعامة ويدي علي بن أبي طالب بخاصة قضية معقدة لم يكن الْبَتُّ فيها بأهون من قضية القتل نفسه، هذا إلى ما كان من شكاوى الثائرين على عثمان ومطالب المعارضين له والمعترضين على إدارته.
وبعد استخلاف علي بن أبي طالب، خرج طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، والزبير بن العوام رضي الله عنه تقف إلى جانبهما عائشة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم يطلبون بدم عثمان بن عفان وإصلاح الأمر [٤] ، ومناقشة الروايات التي تتحدث عن طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام أنهما بايعا علي بن أبي طالب طائعين أو مكرهين لا يغيّر من أنهما خرجا بالسبب الآنف الذكر شيئاً، وقد وقع خروجهم من غير مشورة علي بن أبي طالب ورضاه [٥] ، فلما بلغه خبرهم اغتمّ، وقيل إنه قال: أتدرون بمن بليت؟ أطوع الناس في الناس عائشة، وأشد الناس الزبير، وأدهى الناس طلحة، وأيسر الناس يعلى ابن أمية [٦] ، وكان يعلى خرج معهم يطلب بدم عثمان وأمدّهم بما يلزم من المال وجهزّهم.
وخشي علي بن أبي طالب أن ينفتق بخروجهم فتق ويفسد الأمر فخرج إلى العراق يتبعهم، فلما اجتمع عنده ما اجتمع من الجند من أهل الكوفة وغيرهم سار إليهم نحو البصرة.