وفي البصرة، شق على الناس اختلافهم، ولما سألوهم أجاب كل منهم إنه على الحق، ولكن علي بن أبي طالب زاد على ذلك فقال: إنهم بايعوني وخالفوني [٧] .
وفي موضوع الخلاف، ذكر الجاحظ أنه لما حضر علي بن أبي طالب إلى البصرة سفرت الرسل بين الجانبين لفض الخلاف وجمع الكلمة، وكان ممن سفر بين الجانبين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أرسله علي بن أبي طالب إلى الزبير يسأله ويقول له: يقول لك ابن خالك، عرفتني بالحجاز وانكرتني بالعراق، فماعدا مما بدا لك؟ فقال الزبير لعبد الله، أبلغه السلام وقل له: بيننا وبينك عهد خليفة، ودم خليفة، واجتماع ثلاثة، وانفراد واحد، وأم مبرورة، ومشاورة العشيرة، ونشر المصاحف فنحلّ ما أحلت ونحرّم ما حرمت [٨] .
وقد أورد ابن عساكر في تاريخه رواية مشابهة لرواية الجاحظ أسندها إلى مصعب ابن عبد الله عن أبيه عن موسى بن عقبة بن أبي عياش مولى الزبير بن العوام عن أبي حبيبة مولى الزبير قال: أتانا ابن عباس بالبصرة في يوم شديد الحرّ، فلما رآه الزبير قال: مرحبا بابن لبابة أزائراً أم سفيراً؟ قال: كل ذلك، أرسلني ابن خالك إليك فقال لك: ما عد مما بدا؟ (أي ما الذي صرفك ومنعك وحملك على التخلف بعدما ظهر منك من التقدم في الطاعة والمتابعة) ، عرفتني بالمدينة وأنكرتني بالبصرة! قال، فجعل الزبير ينقر بالمروحة في الأرض ثم رفع رأسه إليه فقال: نرفع لكم المصاحف غدا، فما أحلت حللنا وما حرمت حرّمنا، فانصرف، فناداني ابن الزبير وهو في جانب البيت، ابن عباس، عليّ أقبل، قال ابن عباس، فأقبلت عليه وأنا أكره كلامه، فقال: بيننا دم خليفة، وعهد خليفة، وانفراد واحد واجتماع ثلاثة، وأم مبرورة، ومشاورة العامة، قال: يعنى الثلاثة: الزبير وطلحة وسعد، أقام بالمدينة، وعهد خليفة: عمر بن الخطاب، قال: إذا اجتمعوا وتشاوروا اتبع الأقل الأكثر، ودم خليفة: عثمان بن عفان [٩] .