وإذا صح ما ذكره الجاحظ وأورده ابن عساكر، فإن طلحة وصحبه كانوا يريدون إعادة النظر في الموقف برمته، من الطلب بدم عثمان وإقامة الحد على قتلته من جهة والالتزام بشورى عمر بن الخطاب في اختيار الخليفة من جهة أخرى، وتحكيم القرآن في كل ما جرى، وهو مطلبٌ جعل عائشة وغيرها من المسلمين يدعون إليه وينصرونه.
ولكن علي بن أبي طالب، وقد سبقت البيعة إليه، كان يرى الدخول في الجماعة والمحافظة على وحدتها وتعزيزها السبيل إلى صلاح الأمر، وباعتباره يمثل الدولة، وأن اليد العليا لا تكون إلا يد الدولة، وأن الناس جميعاً في أخذ الحقوق يرجعون إليها، كان علي بن أبي طالب يرى أن يدخل الجميع في الطاعة: معاوية وآل عثمان والمطالبون بدم عثمان، ثم يحاكمون القتلة إليه، أي إلى الدولة فيحملهم وإياهم على ما في كتاب الله وسنة نبيّه [١٠] .
وبالرغم من الخلاف بين الجانبين، فلم ينقل أحد في معنى الخلاف أنهم أحدثوا بيعة، ومن أجل فض الخلاف وحلّ النزاع ذكر ابن أبي شيبة [١١] ، أنهم ضربوا فسطاطاً بين العسكرين ثلاثة أيام، فكان علي والزبير وطلحة يأتونه فيذكرون فيه ما شاء الله، حتى إذا كان بعد الظهر من اليوم الثالث ولم يكونوا توصلوا إلى اتفاق بدأ القتال بين الجانبين، وقيل إن السباب وقع بين صبيان العسكرين وتراموا وتبعهم الغوغاء فحرشوا بين الناس وأفسدوا مساعي الصلح، فلما انتشبت الحرب لم يكن بدّ من القتال، واشتبك الناس على أية حال، واستمر القتال لساعات، قتل فيه طلحة، وترك الزبير القتال ورجع، فقتل في أثناء رجوعه في الطريق [١٢] .
وبذلك لم يبق من الرهط الذين سمىّ عمر بن الخطاب للخلافة الذين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ إلا علي بن أبي طالب وهو الخليفة، وسعد بن أبي وقاص الذي اعتزل. وبانتهاء معركة الجمل، أصبح العراق كله في جانب علي بن أبي طالب.