عقد مؤتمر التحكيم برواية أبي مخنف [٣٨] عام ٣٧ هـ، وكذلك قال خليفة بن خياط [٣٩] ، ولكن [الواقدي، وابن سعد، واليعقوبي، وابن عساكر][٤٠] ، ذكروا أن مؤتمر التحكيم كان عام ٣٨ هـ. ومما يرجح روايتهم على الرواية السابقة، أن ابن شهاب الزهري [٤١] قال: وإنهما، أي الحكمين، يجتمعان بدومة الجندل، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح، أي أن الزهري ذكر ميعادين لانعقاد المؤتمر هما عام ٣٧ هـ وعام ٣٨ هـ، وذكر أبو مخنف [٤٢] ، أن معن بن يزيد بن الأخنس السلمي قدم من الشام في استبطاء إمضاء الحكومة رسولاً من عند معاوية إلى علي، ومما قال معن لعلي، أن معاوية قد وفى، فَفِ أنت لا يلفتنك أعاريب بكر وتميم، وهذا يتصل بموقف الخوارج من التحكيم ومحاولاتهم في حمل علي بن أبي طالب على إلغائه وثنيه عن إنفاذه، وقد أشاعوا أنه رجع عن التحكيم، فأتاه الأشعث بن قيس يسأله فنفى عليّ ما نسب إليه [٤٣] .
لهذا فقد يكون انعقاد المؤتمر قد تأخر إلى عام ٣٨ هـ.
وأرسل علي بن أبي طالب أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ، وبعث عبد الله ابن عباس يصلي بالناس ويلي أمورهم، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل من الشام وذكر أبو مخنف أن عليّا ومعاوية لم يحضرا التحكيم، وقال الزهري وخليفة ابن خياط إن معاوية حضره من دون علي [٤٤] .
واجتمع الحكمان في (أذرح) مكان عدل بين أهل الكوفة والشام [٤٥] ، ولابد أنهما كانا يدركان ثقل المسئولية التي أنيطت بهما بعدما تقارع الناس بالسيوف وتناجزوا بالرماح، ويحرصان على أن لا يردّا الناس ثانية في الفتنة [٤٦] ولكن بعض الروايات قدمت قصة التحكيم على أنها مثال للدهاء والمكر والخديعة بعيداً عن نظر الإسلام ومفاهيمه والتزام الحكمين بها في تقدير مصلحة الجماعة وتقويم الأفراد.