والدعوة إلى تحكيم كتاب الله دون التأكيد على تسليم قتلة عثمان إلى معاوية، وقبول التحكيم دون التأكيد على دخول معاوية في طاعة عليّ والبيعة له، تطوّرٌ فرضته أحداث حرب صفين، إذ أن الحرب التي استمرت نحو أسبوعين وأودت بحياة الكثير من المسلمين، أبرزت اتجاها جماعيا رأى أن وقف القتال وحقن الدماء ضرورة تقتضيها حماية شوكة الأمة وصيانة قوتها أمام عدوها وهو دليل على حيوية الأمة ووعيها وأثرها في اتخاذ القرارات، وقيل لما رفعت المصاحف ونودي إلى التحكيم لم يرض علي بن أبي طالب بذلك وحذّر أصحابه منه وأعلمهم إنما هو مكيدة وخدعة، ولكن ابن أبي شيبة ذكر أنه لما استحرّ القتال في أهل الشام بصفين، قال عمرو لمعاوية: أرسلْ إلى عليّ بالمصحف فلا والله لا يرده عليك، فلما جاء به رجل يحمله وينادي بيننا وبينكم كتاب الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} سورة آل عمران آية (٢٣) ، قال عليّ بن أبي طالب: نعم بيننا وبينكم كتاب الله، أنا أولى به منكم، واعترض الخوارج وكانوا يسمونهم القراء، وقالوا: يا أمير المؤمنين لا نمشي إلى هؤلاء القوم حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقام سهل بن حنيف وذكر قصة الحديبية وبينّ وجه الشبه بينها وبين صفين في هذا الجانب، وذكر أن نفوس المسلمين طابت وقبلوا الصلح في الحديبية وكذلك قبل علي وقف القتال في صفين ورضي التحكيم وعدّ ذلك فتحا ورجع [٣٦] وقيل كان يعلق على التحكيم آمالاً في إزالة الخلاف وجمع الكلمة [٣٧] ، ولعل ما جرى لعليّ من بعد التحكيم من الضعف هو الذي شبّه على الرواة في ما قالوا عن رفع المصاحف والتحكيم ووصف ذلك بالمكيدة والخديعة، ويكونون بذلك قد خلطوا في روايتهم بين الحادثة والنتائج، وجاء تفسيرهم بالحادثة يحكي النتائج أكثر مما يحكي الحادثة نفسها.