ومما يلاحظ على هذه الصحيفة أنها أعطت الحكمين ووفرت لهما كل ما يلزم لنزاهة القضاء وحيدته وحريته من الأمان على النفس والمال والأهل، والنصرة من الأمة ولكنها لم تحدد القضية التي سينظر الحكمان فيها واستنباط الحكم لها من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولذلك سنحاول من خلال الروايات التي تحدثت عن مؤتمر التحكيم أن نتحرى ما دار فيه من الحديث، وما نوقش فيه من القضايا.
ذكر أبو جعفر الطبري [٥١] برواية الزهري أن أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص اتفقا على أن يسمي كل منهما رجلا لولاية أمر الأمة، فسمى أبو موسى عبد الله ابن عمر، وسمى عمرو بن العاص معاوية بن أبي سفيان، وذكر [٥٢] برواية أبي مخنف، أن من الأسماء التي استعرضت للخلافة عبد الله بن عمر ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله ابن عمرو، وفي رواية أبي مخنف [٥٣] أيضا، أن عمر بن سعد بن أبي وقاص سأل أباه سعداً أن يحضر التحكيم، فهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل في شيء كرهته قريش، وأنه أحق الناس بالخلافة.
وبمثل ما قال أبو مخنف حول خلع علي والاختلاف حول معاوية، قال اليعقوبي [٥٤] ، وابن أعثم [٥٥] ، كما ورد الخير نفسه عند ابن كثير [٥٦] .
ولم يختلف الخبر الذي جاء عند أبي حنيفة الدينوري [٥٧] ، والمقدسي [٥٨] في هذا الجانب عما جاء في الروايات السابقة.
والقدر المشترك بين هذه الروايات أن القضية التي كانت محور الحديث بين الحكمين هي مسألة الخلافة.
وحتى الرواية التي ذكرها القاضي أبو بكر بن العربي [٥٩] عن الدارقطني بسنده إلى حضين بن المنذر تشترك مع الروايات السابقة في تأكيد ذلك، فقد جاء فيها: