أن معاوية أرسل حضين بن المنذر إلى عمرو بن العاص ليتأكد مما بلغه من الأخبار عنه، فلما جاء حضين إلى عمرو سأله، قال عمرو: والله ما كان الأمر على ما قال الناس، ولكن قلت لأبي موسى، ما ترى في هذا الأمر، فقال: أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما.
وإذا كان الحديث في مؤتمر التحكيم دار حول الخلافة، فلماذا بحث الحكمان أمرا لم تنص عليه صحيفة التحكيم؟.
وحوْلَ مؤتمر التحكيم وموضوع التحكيم، قال بعض الباحثين: أما نقطة الخلاف التي تم الاتفاق على الرجوع إلى كتاب الله وتحكيمه فيها فلم تكن الفصل في أي من الرجلين هو أحق بالخلافة بل ما هو حكم كتاب الله في أمر تسليم القتلة وإقامة الحدود فيما يتعلق بالجريمة. وعلى الرغم من هذا كله فإن المصادر كلها، على ما يظهر تخفي هذه النقطة الخطيرة في خضمّ من الكلام وتتابع البحث في قصة التحكيم، كأن أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص إنما انتخبا حكمين لاختيار أحد الاثنين، عليّ ومعاوية، أو واحد غيرهما، خليفة. أما كيف تم الانتقال المفاجئ من تحكيم في أمر تسليم القتلة إلى تحكيم فيِ أمر اختيار الخليفة فمن الصعب أن نعينه، ومن الأصعب أن نصدّقه. والأرجح أن شيئاً من هذا لم يحدث قط. ولعل ما حدث فعلاً هو أن الهدنة التي توصل إليها الفريقان المتخاصمان حتى يتم تحكيم كتاب الله في أمر الخلاف الرئيسي، أي القبض على القتلة وتسليمهم إلى القضاء، أدت إلى وقوع الخلاف بين أتباع علي، وحال هذا الخلاف دون تمكن علي من استئناف القتال ضد غريمه، ولا تعدو الروايات التي وصلتنا كلها كونها محاولات لتبرير موقف علي وتفسير فشله غير المنتظر [٦٠] .