وقول الباحث بعدم انعقاد مؤتمر التحكيم وإن الروايات حوله مصنوعة مسار عقلي بحت لا يستند إلى النقل، وحسب تصوّر مغاير لتصوّر الباحث فإن العقل يجيز انعقاد المؤتمر، والروايات التي تقول بانعقاد مؤتمر التحكيم تعزز ذلك وهي كثيرة وتمثل وجهات النظر السياسية المختلفة في ذلك الوقت، ومع ضعف بعضها فإن منها ما يعتدّ بسنده ويترك في النفس ثقة، بمتنها، مثل الروايات التي وردت عند خليفة بن خياط وعند أبي جعفر الطبري وعند القاضي أبي بكر العربي وابن كثير [٦١] .
وأما أن صحيفة التحكيم لم تنص على مسألة الخلافة فقول صحيح، ولكنها لا تمنع الحكمين أن يبحثا ذلك، وأي شيء من شأنه أن يرفع الخلاف بجمع كلمة المسلمين.
ولما كان عليّ بن أبي طالب يدعو معاوية وأهل الشام إلى البيعة والدخول في طاعته، ويأبى هؤلاء إلا تسليم قتلة عثمان أولا، وعليّ يرفض ذلك، ويأبى منهم إلا البيعة والدخول في الطاعة أولا، صار التوفيق بين الجانبين غير ممكن، وصار طلب معاوية وأهل الشام جعل الخلافة شورى بين المسلمين له ما يبرره من وجهة نظرهم، وقد رفضوا أن يقرن عليّ اسمه في كتاب القضية بينهما بلقب (أمير المؤمنين) ، وجاء الحكمان، فوجدا أمر قتلة عثمان، وموقف معاوية وأهل الشام، ووحدة الأمة واجتماع الكلمة، أموراً كلها معصوبة بالخلافة، لذلك كانت مناقشة الأصل وهو الخلافة، محاولة منهما لحل كل فرع مرتبط بالأصل ومعصوب به بعد ما فشلت المفاوضات وفشل القتال في حل الخلاف.
فهل توصل الحكمان إلى شيء؟ وهل اتفقا على شيء؟.
وقبل الدخول في الحديث عن ذلك، لابد من أخذ الأمور التالية بعين الاعتبار.
- قيل إن الأحنف بن قيس ودّع أبا موسى الأشعري عند ذهاب أبي موسى إلى المشاركة في مؤتمر التحكيم وقال له: واعلم بأنك إن ضيعت العراق فلا عراق [٦٢] .