للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلي بن أبي طالب أفضل من معاوية من غير شك، وما كان في معاوية خصلة ينازع عليا بها [١٦٢] ، ومع تأخر معاوية عن علي بالفضل فإنه ما تعدى الإسلام في أفعاله وعلاقاته أو تجاوزه، ولم يكن سياسياً بلا دين على نحو ما صورته بعض المقالات السابقة [١٦٣] ، هذا فضلا عن أن الفرد ليس بقادر على أن يسيّر المجتمع في العاجلة بغير ما عليه المجتمع من المفاهيم والأفكار والأنظمة المنبثقة عن عقيدته.

وبالنسبة للمجتمع الإسلامي فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل قواعده الرئيسية، وأتم ما يلزم لتحديد إطار شخصيته، وتكونت في حياته عليه السلام النخبة القيادية الواعية التي أخذت من بعده ترسي مبادئ الإسلام في نفوس الناس وحياتهم ثقافة وتطبيقا، والمعلوم أن المجتمع الإسلامي من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ يكبر ويتسع، وأخذت أشكال الحياة القديمة قبلية وغير قبلية تتراجع في الصراع أمام المد الإسلامي، وصارت الشخصية الإسلامية للبلاد من حول جزيرة العرب تتضح أكثر فأكثر، وصارت هذه البلاد بفعل الثقافة تتجه أكثر فأكثر نحو الوحدة في العقيدة الإسلامية وما ينبني عليها من المفاهيم والأفكار والأنظمة وينبثق عنها.

والقول بأن هذا المجتمع، أو هذا العصر، أو هذا الاتجاه قد تنحّى أو أخذ يتنحّى بعد عشرين سنة أو ثلاثين سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أمام عصر جديد ومفاهيم مغايرة واتجاهات مخالفة يخالف مفهوم المجتمعات وطبيعة قيامها وتحولها من حال إلى حال، ويخالف سنن تطور النظم والأفكار والمفاهيم فيها، ولو فرضنا أن المجتمع الإِسلامي في أواخر خلافة عثمان وفي زمن الخلاف بين علي وخصومه كان يقع بين قطبي المحافظة والتغيير لما أمكن لقوى التغيير إذا صح وجودها أن تنجح في مهمتها بمثل هذه السرعة والسهولة إلا أن يكون بناء المجتمع هشا ابتداء.