للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقولات السابقة كما نرى تكاد تكون واحدة وتدور حول محور واحد من غير ضرورة أن يكون اللاحق قد أخذ من السابق، فهي ترد انتصار معاوية ووصوله إلى منصب الخلافة إلى غلبة الاتجاه السياسي على الاتجاه الديني أو غلبة الاتجاه القبلي على الاتجاه الإسلامي، أو غلبة العصر الجديد على العصر الراشدي، فهي لا ترد وصول معاوية إلى الخلافة إلى عامل بسيط يتمثل بالاختلاف بين الأفراد في مؤهلاتهم وقدراتهم، وإنما ترده إلى عامل مركب يشمل التغير في الظروف والعصور والمفاهيم والأفراد، وتجعل هذه المقولات وصول معاوية إلى الخلافة معلم انقلاب في حياة المجتمع الإسلامي وتحول عصر إلى عصر، من العصر الراشدي إلى عصر جديد مختلف في الملامح والخصائص.

فهل كان الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان خلافا بين عصرين؟ وهل كان وصول معاوية إلى الخلافة انتصارا لعصر جديد على عصر الراشدين؟.

والقول بأن وصول معاوية إلى منصب الخلافة كان نتيجة للتناقض بين السياسة والدين في قول، والصراع بين القبلية والإسلام في قول ثان، وبين العصر الجديد والعصر الراشدي في قول ثالث، وإن غلبة معاوية كانت غلبة للسياسة على الدين وللقبلية على الإسلام والعصر الجديد على العصر الراشدي كلام يحتاج إلى إعادة نظر وتدقيق.

ففي الإسلام لا انفصال بين الدين والسياسة ولا انفصام بينهما، والسياسة في الإسلام سلوك موجه بالشرع وقائم على قواعده ومضبوط بأحكامه، ووصف علي بن أبي طالب بالدين دون السياسة ورميه بالبعد عن الدهاء السياسي كلام لا يستند إلى أساس تاريخي [١٦٠] ، فهو إن لم يكن أكثر من معاوية دهاء ونبوغا فلا يقل عنه على أقل تقدير [١٦١] ، ووصف معاوية بالسياسة دون الدين تضليل وتشويه، ولكن المقولة تريد أن تقول إن الإسلام لم يعد يصلح لمواكبة الحياة وسياستها.