للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل إن الخلاف بين علي ومعاوية كان صراعا بين عصرين هما: عصر الحكم الراشدي الذي كان مركزه في المدينة والحجاز، وكان يمثل الزهد والتقشف، والشورى والعدل والمساواة في الحكم وتوزيع الأموال بين أفراد الأمة ويمثله علي بن أبي طالب، والعصر الجديد الذي تمثل بظهور جيل جديد وتكون مفاهيم جديدة وعقلية جديدة واتجاه جديد نحو الحياة والتمتع بمباهجها نتيجة تغير رقعة العالم الإسلامي بنتيجة الفتوحات، وتغير طبيعة الحياة المادية وتحول الناس من الزهد والتقشف إلى البذخ والترف، وتغير المجتمع وظهور الجيل الذي لم يعد جيل الصحابة ولا يعيش في عصر الصحابة ولا يتصف بصفاتهم، وهو عصر لم يكن برأي المقولة مؤهلا للاستفادة من الحكم الراشدي والانطباع به، لذلك كان لابد من أن يحل محل الحكم الراشدي حكم جديد بعقلية تشابه عقلية الجيل الجديد واتجاهه ومفهومه للحياة، وخول هذا العصر الجديد أن يستلم هذا الحكم رجل من رجال أسرة كانت في الجاهلية مقاربة في عقليتها ومفهومها للصفة التي كان يتطلبها ذلك المجتمع الجديد، وكان معاوية يمثل هذا الجيل في مفهومه وعقليته ورغباته في الحياة، وكانت بلاد الشام بما هي عليه من مستوى حضاري متقدم على العراق أهلا لأن تكون مركزا وعاصمة لهذا المجتمع الجديد، وتنتهي هذه المقولة إلى القول بأن وصول معاوية كان انقلابا عظيما في تاريخ الإسلام جاء على إثر غلبة العصر الجديد على العصر الراشدي [١٥٩] .