وأما إذا كان مفهوم المجتمع لا يعني إلا أشخاص الحاكمين ومن فيه من الأفراد، فلاشك أن أبا بكر وعثمان وعليا وأمثالهم من الصحابة من أبناء العصر الراشدي لا يماثلهم أبناء العصر الأموي وحكامه، والاختلاف بينهم بيّن وواضح، ولكن الفرق بينهما لا يدعو إلى وصفه بالانقلاب، والمجتمع بالمفهوم السابق لا يطابق حقيقة المجتمع وواقعه، ففهم المجتمع على أنه مجموع ما فيه من الحكام والأفراد يغفل جوانب المجتمع وخصائصه الأخرى في العقيدة والمفاهيم والأنظمة والأفكار المنبثقة عن العقيدة وآثارها في العلاقات بين الناس وانضباط العلاقات بها.
وعليه فإن وصول معاوية إلى منصب الخلافة لابدَّ أنْ يُدرَسَ من خلال وسط آخر غير مقولات تبدل المجتمع وتغير شخصيته، لابد أن يدرس من خلال مقتل عثمان ابن عفان وما تبعه من ظروف وتطورات تلاحقت لا علاقة لها بتبدل مفاهيم المجتمع وتغير عقليته ومعاييره.
فقد جاءت خلافة علي بن أبي طالب من بعد قتل عثمان. وفي الوقت الذي سيطر فيه على المدينة أولئك الذين فصلوا من الأمصار إلى عثمان منحرفين عنه، ولذلك لم يكن الجو الذي استخلف فيه علي بالمدينة كالأجواء التي استخلف فيها من سبقه من الخلفاء، وقيل للاستبراء من عوالق هذا الجو نصح عبد الله بن عباس عليا أن يبتعد عما كان يجرى في المدينة وبينّ له أن الناس عند ذلك لن يتركوه حتى يأتوا به ويبايعوا له، ولكن عليا عصاه [١٦٦] ، وقيل نصحه ابنه الحسن بمثل ذلك وأشار عليه أن لا يقبل البيعة حتى تأتيه وفود العرب وبيعة كل مصر فإنهم لن يقطعوا أمرا دونه ولكن عليا أبى [١٦٧] .