أما الأمر الثاني: فهروب ابنه منه - عليه السلام - ولجوءه إلى أهل الضلالة والغاوية وعلى مرأى ومسمع من أبيه، وإنها لهي الكبرى الثانية التي ابتلى بها نوح في فلذة كبده، وقرة عينه، لكن قضاء الله نافذ لا مرد له يضل من يشاء ويهدي من يشاء لقد انعزل الابن عن أبيه في حالة يلزم منها عادة الإتمام حول بعضهما وحتى لا ينكشف ما وقع بهم.
وانطلق نداء نوح - عليه السلام - صاعداً من الأرض إلى عنان السماء تحدوه عاطفة الأبوة إنه من أهله راجياً رحمة ربه ولطفه في قضائه وقدره ومعزفا بالوعد الحق من الله والحكم الحكيم.
ولكن جاء الرد من الرب تبارك وتعالى واضحاً جليا يبين لنوح - عليه السلام – إن هذا الابن ليس من أهلك. لأنه كافر وخارج من دائرة الإسلام فلا تنفعه أبوتك ولاتشفع له لأن الرابطة بينك وبينه هي رابطة العقيدة الإيمانية. وهي مفقودة فيما بينكما ثم يبين الرب سبحانه إنه عمل غير صالح ومادام الأمر كذلك فلا تحرص عليه بل تبرأ منه فلا لقاء بينك وبينه لأن القول قد سبق عليه بالغرق كما تبؤ به من الكفر بالله والعصيان لأبيه.