وأضيف إلى ما ذكره شيخ الإِسلام أن الخلاف قد يكون بسبب القراءات المتواترة ففي بعض الأحيان يكون لكل قراءة معنى، وكذلك بعضهم يورد بعض القراءات الشاذة للتفسير لا للتلاوة. هذا بالنسبة لشبهة الاختلاف والتناقض.
٥- وقد تمخض من هذه الشبهة أنه رتب على ذلك نتيجة التطور الذي طرأ في فكر ابن عباس وفكر تلاميذه هكذا نقل. وأقول إن هذا الاستنتاج باطل لأن دليله باطل، وأنه لم يطرأ أي تطور على فكر ابن عباس ولا على فكر تلاميذه، لأن فكرهم ومنهجهم منضبط بين دفتي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويعتمد على النقل، وقد صح عن عبيد الله بن أبي يزيد قال:"كان ابن عباس إذا سئل عن الأمر، فإن كان في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به، فإن لم يكن في القرآن ولا عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن من ذلك اجتهد رأيه"، وما ذكره من الاجتهاد فهو أهل لذلك حيث أخذ العلم عن عشرات الصحابة فقد صح عن ابن عباس قال:"إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
ولم يطلق رأيه في كل شيء فما لم يعرفه يسكت عنه ويأبى أن يقفُ ما ليس له به علم، فقد أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة قال رجل لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية {والمُحصَنَاتُ مِنَ النَّسَاءِ إلاَ مَا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ}[النساء/٢٤] فلم يقل فيها شيئاً، فقال سعيد:"كان لا يعلمها".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها".إسناده صحيح.