فكان من قراء المدينة: أبو جعفر القارئ واسمه يزيد بن القعقاع مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وشيبة بن نصاح مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ونافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، وكان أقدم هؤلاء الثلاثة أبو جعفر، قد كان يقرئ الناس بالمدينة قبل ((وقعة الحرة)) ، حدثنا ذلك إسماعيل بن جعفر عنه. ثم كان بعده شيبة على مثل منهاجه ومذهبه، ثم ثلّثهما نافع بن أبي نعيم وإليه صارت قراءة أهل المدينة، وبها تمسكوا إلى اليوم، فهؤلاء قراء أهل الحجاز في دهرهم.
وكان من قراء مكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الذي يقال له الأعرج، ومحمد بن محيصن، فكان أقدم هؤلاء الثلاثة ابن كثير، وإليه صارت قراءة أهل مكة، وأكثرهم به اقتدوا فيها، وكان حميد بن قيس قرأ على مجاهد قراءته فكان يتبعها لا يكاد يعدوها إلى غيرها، وكان ابن محيصن أعلمهم بالعربية وأقومهم عليها. فهؤلاء قراء أهل مكة في زمانهم.
وكان من قراء الكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النجود، والأعمش، وكان أقدم الثلاثة وأعلاهم يحيى، يقال: إنه قرأ على عبيد الله بن نضيلة صاحب عبد الله، ثم تبعه عاصم وكان أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي وزرّ بن حبيش، ثم كان الأعمش فكان إمام الكوفة المقدم في زمانه عليهم حتى بلغ إلى أن قرأ عليه طلحة بن مصرف وكان أقدم من الأعمش، فهؤلاء الثلاثة هم رؤساء الكوفة في القراءة، ثم تلاهم حمزة بن حبيب الزيات رابعاً، وهو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من غير أن يطبق عليه جماعتهم، وكان ممن اتبع حمزة في قراءته سليم بن عيسى وممن وافقه، وكان ممن فارقه أبو بكر بن عياش فإنه اتبع عاصما وممن وافقه. وأما الكسائي فإنه كان يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا. فهؤلاء قراء أهل الكوفة.