(٣) على فرض صحة هذين الأثرين فيمكن أن نؤولهما بما يتفق هو والصحيح المعروف عن عثمان في جمع القرآن ونسخ المصاحف، وذلك بأن يحمل لفظ ((لحنا)) على معنى اللغة، ويكون المعنى أن في رسم القرآن وكتابته في المصاحف وجها في القراءة لا تلين به ألسنة العرب جميعاً الآن، ولكنها لا تلبث أن تلين به ألسنتهم جميعاً بالمرانة، وكثرة تلاوة القرآن بهذا الوجه. اهـ.
كما انبرى الشيخ الزرقاني لهذه الشبهة وفندها أيضاً فقال: يقولون: روى عن عثمان أنه حين عرض عليه المصحف قال: "أحسنتم وأجملتم، إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها".
ويقولون: روي عن عكرمة أنه قال: "لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفاً من اللحن فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو قال: ستعربها بألسنتها. لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف".
أورد أعداء الإسلام هاتين الروايتين وقالوا: إنهما طعنان صريحان في رسم المصحف، فكيف يكون مصحف عثمان وجمعه للقرآن موضع ثقة، وإجماع من الصحابة؟ وكيف يكون توقيفياً؟ وهذا عثمان نفسه يقول بملء فيه:"إن فيه لحنا". ونجيب على هذه الشبهة أولا: بأن ما جاء في هاتين الروايتين ضعيف الإسناد، وأن فيهما اضطراباً وانقطاعا. قال العلامة الألوسي في تفسيره:"إن ذلك لم يصح عن عثمان أصلاً"لعلك تلمح معي دليل سقوط هاتين الروايتين ماثلا فيهما من جراء هذا التناقض الظاهر بين وصفهما نساخ المصحف بأنهم أحسنوا وأجملوا ووصفهما المصحف الذي نسخوه بأن فيه لحنا. وهل يقال للذين لحنوا في المصحف: أحسنتم وأجملتم؟ اللهم إلا إذا كان المراد معنى آخر!.