ومن هنا تولدت في نفسي شهوة النظر بتلك الأسانيد والتدقيق في قيمة رواتها، بيد أن ظروف المعيشة والانشغال في العمل الوطني صرفتني طويلا عن الموضوع، ثم جاءت الانقلابات السياسية وما رافقها من إرهاب شيوعي وبعثي واشتراكي دَفَعَنا للهجرة إلى المدينة الحبيبة قبل ما يقارب الثلاثين من الأعوام، وتلا ذلك أعباؤنا في الجامعة الإسلامية من تدريس وإشراف اجتماعي، وعمل طويل في تنظيم المناهج، ومشاركة في تحرير مجلة الجامعة، وما إلى ذلك مما اضطرنا إلى تأخير ما تطلعنا إليه من ذلك الواجب. حتى شاء الله أن يقع في يدي كتاب الشاعر الإسلامي العراقي الأستاذ وليد الأعظمي في الموضوع بعنوان (السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني) فلم أطق مفارقته حتى أتيت عليه. وكنت كلما فرغت من مطالعة قسم منه أرفع كفي بالضراعة إلى الله أن يثيبه على مجهوده الكبير بالمغفرة الواسعة، والرحمة السابغة يوم لا ينفع امرءاً إلا ما أسلف من خدمة للحقيقة ونفع للمسلمين..
لقد شعرت أن هذا الكتاب قد أراحني من عبء ثقيل إذْ حقق ما طالما تمنيته من إمكان التفرغ لعمل الأصفهاني في كتابه المريب، فأوليه ما يستحق من نقد عادل يكشف المستور من فساد الطوية الذي أملى عليه تلك الموبقات، التي لم يرد بها سوى تشويه الإسلام دينا وعقيدة وعبادة، والطعن على دعاته وحَمَلة راياته من منائر الهدى وناشري أنواره في العالمين.