ولما جاء دور هذه القينة غنت بأبيات من شعر عننزة، فأعجب ابن سريج بما سمع وأبدى استحسانه غناءها، وترجمت السيدة مشاعرها بأن ألقت إلى القينة بالدملج الآخر!.
واستمرت المناسبة ثلاثة أيام أغرقت الدار بما فيها ومن فيها من الجواري والمطربين في جو من البهجة المذهلة. ولم يستطع عبيد التملص من مأزقه حتى عاد فغنى بأمر السيدة، واختار لذلك أبياتا تلوِّح بمشكلته، فدعت لكل من عزة وابن سريج بحلة ثم أذني لهما بالانصراف، وهي تقول للمغني: قد علمت ما أردت بهذا وقد شفعناك.. وإنما كانت يميني على ثلاثة أيام.. فاذهب في حفظ الله وكلاءته..
الشهادة الفاضحة:
ويأبى الأصفهاني إلا أن يعاود الحديث عن الطاهرة سكينة بأسوأ مما بدأ، وذلك عندما عرض لأخبار الفاسق الأكبر عمر بن أبي ربيعة فروى من شعره ١٧/ ١٥٩.
قالت (سُعيدةُ) والدموع ذو ارف
منها على الخدين والجلباب
ليت المغيريَّ الذي لم أجزه
في ما أطال تصيدي وطلابي
كانت ترد لنا المنى أيامُها
إذلا نلام على هوى وتصابي
أسُعيدُ.. ما ماء الفرات وطيبُه
مني على ظمأ وحب شراب
بألذ منك، وان نأيت وقلما
يرعى النساء أمانة الغياب
ويعقب على النص بأنه تُغُنِّي فيه باسم (سكينة) مكان سُعَيدة وإنما غَّيره المغنون،
ثم يروي عن لسان اسحق الموصلي قوله: غنيتُ الرشيد يوما بقوله: قالت سكينة والدموع ذوارف ...
فوضع القدح من يده وغضب غضبا شديدا ثم قال: لعن الله الفاسق ولعنك معه.. ويحك أتغنيني بأحاديث الفاسق ابن أبي ربيعة في بنت عمي وبنت رسول الله صلي الّله عليه وسلّم؟!!.
وفي هذا وذاك ما يؤكد أن اسم (سكينة) كان صريحا في ذلك أو أن كونها هي المقصودة بهذه الأبيات أمرٌ مشهور يدركه السامع ولو أبدل باسمها غيرُه.
وليس ثمة أي غموض في أن الفاسق إنما يتغزل بالطاهرة وبأسلوب الماجنين، وهي وقاحة لا يحتملها سمع مسلم..