أما قوله:{وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي ليس من طبعه فلا يحسنه ولا تقتضيه جبلته، ولعل الحكمة في ذلك (الإعجاز) بالقرآن فإنه أعظم من الشعر وليس بشعر، وإثبات أنه من عند الله وليس من تأليف الرسول.. فسد الله عز وجل كل باب يمكن أن يتذرع به المشركون في دعواهم أن القرآن من كلامه صلى الله عليه وسلم أو أنه من شعره، فجعل الرسول أميّاً لا يقرأ ولا يكتب، حتى لا يقال إنه ينقل من كتب اليهود والنصارى، ولم يجعله شاعراً حتى لا يقال إنه يؤلف شعراً.
وكون الرسول أمياً لم يعن مذمة الكتابة والقراءة.. وكذلك كونه ليس شاعراً لا يعني ذم الشعر.. فلا يفهم من قوله:{وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} إلا أن الشعر مع مقام الوحي لم يكن مناسباً، كما أن الأمية كانت مناسبة، والدليل على أن المقصود هو تأكيد أن القرآن ليس بشعر أن الآية جاءت في معرض هذا المعنى حيث يقول بعدها:{إِنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} فيكون المعنى وما ينبغي أن يكون القرآن شعراً؛ لأنه كتاب إرشاد وتعليم وموعظة للناس، والشعر ليس محلا للتفصيل والتبيين والإيضاح بل هو محل الإجمال والإشارة.. فهذا الكلام ليس من نوع الشعر ولكنه (قرآن مبين) ..
ثم قال:{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي يحق عليهم بأن هذا الكلام المبين كلام الله وبذلك تنقطع حجة المشركين..
وبذلك يتبين لك أن ليس في قوله:{وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي دليل على غضاضة في الشعر، وسيزيدك إيضاحاً لذلك ما سيأتي من استشهاد الرسول بالشعر واستنشاده له، ومناقشته لبعض معانيه وحثه عليه..