للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن قال قائل: إن العلة في غضاضة الشعر كونه محلاً للأكاذيب وتلفيق المعاني وتغيير الحقائق فقد بينت لك آنفاً أن قولهم: أعذب الشعر أكذبه ميزان غير صحيح عن النقاد.

وقد يستدل بآيات الشعراء على ذم الشعر وهي قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ, أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ, وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} (١) ولو لم يكن لذلك من جواب إلا الاستثناء الذي ختمت به هذه الآيات {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} لكفى..

لكن يحسن أن تذكر سبب نزول هذه الآيات لنتبين المقصود منها:

فسورة الشعراء مكية، وهذه الآيات الأربع في آخرها مدنية، ونزلت في شعراء المشركين من قريش الذين كانوا قد أشعلوا حرباً كلامياً ضد الرسول صلى الله عليه وسلم بهجائهم له ولأصحابه ولدينه.. وهي دعاية تعتبر خطيرة في ذلك الوقت ضد الإسلام، لما علمت من مكانة الشعر في نفوس العرب وسرعة تأثيره فيها.. ولأجل خطورة هذه الحرب المناوئة التي شنها هؤلاء على الإسلام والمسلمين أهدر النبي دماءهم وقتل من قتل منهم وأسلم من أسلم.

ولأجل ذلك أيضاً نزلت الآيات تندد بهؤلاء الشعراء وتسفه من أمرهم فهم {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} أي يحيدون عن طريق الحق ليضيعوا في أودية الباطل والكفر والضلال، فيقولون بغير بصيرة ولا تعقل، ويكذبون في اتهاماتهم وشتائمهم.. و {يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} من تهديدهم للنبي والمسلمين..

ومثل هؤلاء الشعراء الذين كانوا يحاربون الإسلام بشعرهم كل شاعر يحارب الإسلام أو يدعوا إلى الرذائل أو يحسن الباطل.. فوجه الذم ليس في أصل الشعر ولكن في هذه الصفات التي علقت به..